مِنْهُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ مَارِسْتَانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ لِنَفْسِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَنَى بِمَا أَخَذَ مِنْهُ بِنَاءً مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فِي حَالٍ، يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَكِنَّهُ يَنْسُبُهُ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْغَاصِبِ إِذَا رَدَّ الْمَالَ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ هَلْ يَبْرَأُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا بَنَى عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا زَخْرَفَةٍ. وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِتَرْمِيمِ مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزُوا مَا تَصَدَّعَ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِلْبُنْيَانِ فِي مَالِ اللَّهِ حَقًّا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا أَضَرَّ بَيْتَ مَالِهِمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ تَصَرُّفَ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ مُوقَفًا عَلَى إِجَازَةِ مَالِكِهِ، فَإِنْ أَجَازَ تَصَرُّفَهُ فِيهِ جَازَ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالٍ مَغْصُوبٍ، ثُمَّ أَجَازَهُ الْمَالِكُ، جَازَ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ مُلْتَزِمًا ضَمَانَهُ فِي مَالِهِ، ثُمَّ أَجَازَهُ الْمَالِكُ جَازَ، وَنُفِّذَ عِتْقُهُ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ. وَحُكِيَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ شَاةً، فَذَبَحَهَا لِمُتْعَتِهِ وَقِرَانِهِ، ثُمَّ أَجَازَهَا الْمَالِكُ أَجَزَأَتْ عَنْهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ: أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ إِذَا عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ إِلَى أَنَّ الْغَالَّ إِذَا تَفَرَّقَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ يَدْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ خُمُسَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015