الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، بَلْ يَأْثَمُ بِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا يَحَصُلُ لِلْمَالِكِ بِذَلِكَ أَجْرٌ، لِعَدَمِ قَصْدِهِ وَنِيَّتِهِ، كَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَفِي كِتَابِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ الْأَخْنَسِ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وَجَدْتُ لُقَطَةً، أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا، قَالَ: لَا تُؤْجَرُ أَنْتَ وَلَا صَاحِبُهَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إِذَا تَصَدَّقَ بِهَا قَبْلَ تَعْرِيفِهَا الْوَاجِبِ. وَلَوْ أَخَذَ السُّلْطَانُ، أَوْ بَعْضُ نُوَّابِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَالًا يَسْتَحِقُّهُ، فَتَصَدَّقَ مِنْهُ أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ بَنَى بِهِ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، فَالْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَالْغَاصِبِ إِذَا تَصَدَّقَ بِمَا غَصَبَهُ، كَذَلِكَ قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَمِيرِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ النَّاسُ قَدِ اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فِي حَالِ مَوْتِهِ وَهُمْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ بِبِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ، وَابْنُ عُمَرَ سَاكِتٌ، فَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَرَوَى لَهُ حَدِيثَ " «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» "، ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ.
وَقَالَ أَسَدُ بْنُ مُوسَى فِي " كِتَابِ الْوَرَعِ ": حَدِيثُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَامِرٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ هَذَا الْعِقَابَ الَّتِي نُسَهِّلُهَا، وَالْعُيُونَ الَّتِي نُفَجِّرُهَا، أَلْنَا فِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ خَبِيثًا لَا يُكَفِّرُ خَبِيثًا قَطُّ؟ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي مَلِيحٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِابْنِ عَامِرٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الْعِتْقِ: فَقَالَ مَثَلُكَ مَثَلُ رَجُلٍ سَرَقَ إِبِلَ حَاجٍّ، ثُمَّ جَاهَدَ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَانْظُرْ هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ .
وَقَدْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْدِيدِ فِي الْوَرَعِ كَطَاوُسٍ وَوُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ