لَهَمْ: طِبْتُمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا زَارَ أَخَاهُ فِي اللَّهِ تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: " طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا» ".

فَالْمُؤْمِنُ كُلُّهُ طَيِّبٌ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَسَدُهُ بِمَا سَكَنَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَعَلَى جَوَارِحِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَدَاخِلَةٌ فِي اسْمِهِ فَهَذِهِ الطَّيِّبَاتُ كُلُّهَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ طِيبَةُ الْأَعْمَالِ لِلْمُؤْمِنِ طِيبُ مَطْعَمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ، فَبِذَلِكَ يَزْكُو عَمَلُهُ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ وَلَا يَزْكُو إِلَّا بِأَكْلِ الْحَلَالِ، وَإِنَّ أَكْلَ الْحَرَامِ، يُفْسِدُ الْعَمَلَ، وَيَمْنَعُ قَبُولَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا» " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] .

وَالْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الرُّسُلَ وَأُمَمَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي هِيَ الْحَلَالُ، وَبِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَا دَامَ الْأَكْلُ حَلَالًا، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مَقْبُولٌ، فَإِذَا كَانَ الْأَكْلُ غَيْرَ حَلَالٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَمَلُ مَقْبُولًا؟ .

وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَأَنَّهُ كَيْفَ يُتَقَبَّلُ مَعَ الْحَرَامِ، فَهُوَ مِثَالٌ لِاسْتِبْعَادِ قَبُولِ الْأَعْمَالِ مَعَ التَّغْذِيَةِ بِالْحَرَامِ. وَقَدْ خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] (الْبَقَرَةِ: 168) ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَعْدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015