أَنْ يَكُونَ سُلُوكُ هَذَا الطَّرِيقِ خَلْفَ أَئِمَّةِ أَهْلِهِ الْمُجْمَعِ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ، فَإِنَّ مَنِ ادَّعَى سُلُوكَ هَذَا الطَّرِيقِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِهِمْ، وَقَعَ فِي مَفَاوِزَ وَمَهَالِكَ، وَأَخَذَ بِمَا لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، وَتَرَكَ مَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. وَمِلَاكُ الْأَمْرِ كُلِّهِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ، وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ مَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ، وَسُلُوكِ طَرِيقِهِ، وَالْعَمَلِ بِذَلِكَ، وَدُعَاءِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَسَدَّدَهُ، وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَمْدُوحِينَ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] (فَاطِرٍ: 28) ، وَمِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وَقَدْ خَرَّجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " تَفْسِيرِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ: مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ، وَمَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، فَذَلِكَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ» . وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ: يُقَالُ: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ: الْمُتَوَاضِعُونَ لِلَّهِ، وَالْمُتَذَلِّلُونَ لِلَّهِ فِي مَرْضَاتِهِ لَا يَتَعَاطَوْنَ مَنْ فَوْقَهُمْ، وَلَا يُحَقِّرُونَ مَنْ دُونَهُمْ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ، أَبَرُّ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ» . وَهَذَا إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِهِ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ إِلَى مِثْلِ أَبِي مُسْلِمٍ