مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219] (الْبَقَرَةِ: 219) ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] (الْبَقَرَةِ: 22) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى (الْبَقَرَةِ: 22) ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْيَانًا يَسْأَلُونَهُ عَنْ حُكْمِ حَوَادِثَ قَبْلَ وُقُوعِهَا، لَكِنْ لِلْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ وُقُوعِهَا، كَمَا قَالُوا لَهُ: إِنَّا لَاقُوا الْعَدُوِّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ وَسَأَلُوهُ عَنِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بَعْدَهُ، وَعَنْ طَاعَتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَسَأَلَهُ حُذَيْفَةُ عَنِ الْفِتَنِ، وَمَا يَصْنَعُ فِيهَا. فَبِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَسَائِلِ وَذَمِّهَا، وَلَكِنْ بَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُخْتَصًّا بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يَخْشَى حِينَئِذٍ مِنْ تَحْرِيمِ مَا لَمْ يَحْرُمْ، أَوْ إِيجَابِ مَا يَشُقُّ الْقِيَامُ بِهِ، وَهَذَا قَدْ أَمِنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا وَحْدَهُ هُوَ سَبَبُ كَرَاهَةِ الْمَسَائِلِ، بَلْ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كَلَامِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا بِقَوْلِهِ: وَلَكِنِ انْتَظِرُوا، فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانَهُ. وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ لَابُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَيُبَلِّغُ ذَلِكَ رَسُولُهُ عَنْهُ، فَلَا حَاجَةَ بَعْدَ هَذَا لِأَحَدٍ فِي السُّؤَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ مِنْهُمْ، فَمَا كَانَ فِيهِ هِدَايَتُهُمْ وَنَفْعُهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَابُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُمُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، كَمَا قَالَ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] (النِّسَاءِ: 176) . وَحِينَئِذٍ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى السُّؤَالِ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا سِيَّمَا قَبْلَ وُقُوعِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ