عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَنْ يَدْعُوَهُمْ أَوَّلًا إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَقَالَ: إِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ بِالزَّكَاةِ» وَمُرَادُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ مُسْلِمًا بِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ أُمِرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَكَانَ مَنْ سَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ يَذْكُرُ لَهُ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ بَقِيَّةَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَكَمَا قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَاءَهُ ثَائِرَ الرَّأْسِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَظْهَرُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَلْفَاظِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ، وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ كُلَّهَا حَقٌّ، فَإِنَّ كَلِمَتِيِ الشَّهَادَتَيْنِ بِمُجَرَّدِهِمَا تَعْصِمُ مَنْ أَتَى بِهِمَا، وَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، فَإِذَا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَقَامَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَلَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ، فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً لَهُمْ مَنَعَةً قُوتِلُوا. وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَافِرَ يُقَاتَلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَسِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلِيًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَقَالَ: امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا، ثُمَّ وَقَفَ، فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ فَقَالَ: قَاتِلْهُمْ عَلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَدْ عَصَمُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» فَجَعَلَ مُجَرَّدَ الْإِجَابَةِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ عِصْمَةً لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا الِامْتِنَاعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.