النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ» . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ثُمَّ لَمَّ يَحُطُّهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَنَّهُمْ نَصَحُوا لِأُمَمِهِمْ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نُوحٍ، وَعَنْ صَالِحٍ وَقَالَ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] (التَّوْبَةِ: 91) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْجِهَادِ لِعُذْرٍ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ نَاصِحًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَخَلُّفِهِ، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْأَعْذَارَ كَاذِبِينَ، وَيَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ نُصْحٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّصِيحَةَ تَشْمَلُ خِصَالَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ، وَسَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، فَإِنَّ النُّصْحَ لِلَّهِ يَقْتَضِي الْقِيَامَ بِأَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا، وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ، فَلَا يَكْمُلُ النُّصْحُ لِلَّهِ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِدُونِ كَمَالِ الْمَحَبَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ، وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ فِي التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِنَوَافِلِ الطَّاعَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا. وَفِي مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ عَبْدَانِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَهُ، وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ إِذَا ائْتَمَنَهُ، وَيَنْصَحُ لَهُ إِذَا غَابَ عَنْهُ، وَكَانَ الْآخَرُ يَعْصِيهِ إِذَا أَمَرَهُ، وَيَخُونُهُ إِذَا ائْتَمَنَهُ، وَيَغُشُّهُ إِذَا غَابَ عَنْهُ كَانَا سَوَاءً؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكَذَاكُمْ أَنْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.