وَرَجَعُوا فَاسْتَحْيَا، وَدَخَلَ مَوْضِعًا لَا يَرَاهُ النَّاسُ فِيهِ، وَقَالَ: " مَنْ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ النَّاسِ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ " وَخَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ. وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ، إِمَّا بِاجْتِهَادٍ سَائِغٍ، أَوْ تَقْلِيدٍ سَائِغٍ، وَكَانَ مُخْطِئًا فِي اعْتِقَادِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ الِاجْتِهَادُ ضَعِيفًا، أَوِ التَّقْلِيدُ غَيْرُ سَائِغٍ، وَإِنَّمَا حَمَلَ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَتَاهُ مَعَ اشْتِبَاهِهِ عَلَيْهِ، وَالَّذِي يَأْتِي الشُّبُهَاتِ مَعَ اشْتِبَاهِهَا عَلَيْهِ، قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، فَهَذَا يُفَسَّرُ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ارْتِكَابُهُ لِلشُّبْهَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهَا شُبْهَةٌ ذَرِيعَةً إِلَى ارْتِكَابِهِ الْحَرَامَ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَرَامٌ بِالتَّدْرِيجِ وَالتَّسَامُحِ. وَفِي رِوَايَةٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " لِهَذَا الْحَدِيثِ: «وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَمَنْ يُخَالِطُ الرِّيبَةَ، يُوشِكُ أَنْ يَجْسُرَ» " أَيْ: يَقْرُبَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْحَرَامِ الْمَحْضِ، وَالْجَسُورُ: الْمِقْدَامُ الَّذِي لَا يَهَابُ شَيْئًا، وَلَا يُرَاقِبُ أَحَدًا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: " يَجْشُرَ " بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: يَرْتَعُ، وَالْجَشْرُ: الرَّعْيُ، وَجَشَرْتَ الدَّابَّةَ: إِذَا رَعَيْتَهَا. وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ يَرْعَى بِجَنْبَاتِ الْحَرَامِ، يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَهُ، وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْمُحَقَّرَاتِ، يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الْكَبَائِرَ» ". وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا هُوَ مُشْتَبَهٌ عِنْدَهُ، لَا يَدْرِي: أَهُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَيُصَادِفُ الْحَرَامَ وَهُوَ لَا