صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " فِي الْمَسْجِدِ " بَدَلَ الصَّلَاةِ. وَهَذَا يَعُمُّ حَالَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ وُجِدَ سَبَبٌ قَوِيٌّ يُغَلِّبُ مَعَهُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَةَ مَا أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ يَلْبَسُهُ كَافِرٌ لَا يَتَحَرَّزُ مِنَ النَّجَاسَاتِ، فَهَذَا مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ، فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَخْذًا بِالْأَصْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ تَنْزِيهًا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ إِذَا قَوِيَ ظَنُّ النَّجَاسَةِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ مِمَّنْ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ أَوْ يَكُونُ مُلَاقِيًا لِعَوْرَتِهِ كَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَمِيصِ، وَتَرْجِعُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَشَبَهُهَا عَلَى قَاعِدَةِ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَالظَّاهِرُ النَّجَاسَةُ وَقَدْ تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ فِي ذَلِكَ. فَالْقَائِلُونَ بِالطَّهَارَةِ يَسْتَدِلُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَطَعَامُهُمْ إِنَّمَا يَصْنَعُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ فِي أَوَانِيهِمْ، وَقَدْ أَجَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةَ يَهُودِيٍّ، وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَلْبَسُونَ وَيَسْتَعْمِلُونَ مَا يُجْلَبُ إِلَيْهِمْ مِمَّا يَنْسِجُهُ الْكَفَّارُ بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي، وَكَانُوا فِي الْمَغَازِي يَقْتَسِمُونَ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْأَوْعِيَةِ، وَالثِّيَابِ وَيَسْتَعْمِلُونَهَا، وَصَحَّ عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا الْمَاءَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ. وَالْقَائِلُونَ بِالنَّجَاسَةِ يَسْتَدِلُّونَ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ كُلُوا فِيهَا» . وَقَدْ فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الشُّبْهَةَ بِأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: يَعْنِي الْحَلَالَ الْمَحْضَ وَالْحَرَامَ الْمَحْضَ، وَقَالَ: مَنِ اتَّقَاهَا، فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَفَسَّرَهَا تَارَةً بِاخْتِلَاطِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.