قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَا دَامَ قَلْبُ الرَّجُلِ يَذْكُرُ اللَّهَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّوقِ وَإِنْ حَرَّكَ بِهِ شَفَتَيْهِ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقْصِدُ السُّوقَ لِيَذْكُرَ اللَّهَ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ الْغَفْلَةِ. وَالْتَقَى رَجُلَانِ مِنْهُمْ فِي السُّوقِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ حَتَّى نَذْكُرَ اللَّهَ فِي غَفْلَةِ النَّاسِ، فَخَلَوْا فِي مَوْضِعٍ، فَذَكَرَا اللَّهَ، ثُمَّ تَفَرَّقَا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَلَقِيَهُ الْآخَرُ فِي مَنَامِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَشْعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَنَا عَشِيَّةَ الْتَقَيْنَا فِي السُّوقِ؟
فَصْلٌ فِي وَظَائِفِ الذِّكْرِ الْمُوَظَّفَةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، بِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي مَوَاقِيتِهَا الْمُؤَقَّتَةِ، وَشَرَعَ لَهُمْ مَعَ هَذِهِ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ أَنْ يَذْكُرُوهُ ذِكْرًا يَكُونُ لَهُمْ نَافِلَةً، وَالنَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، فَشُرِعَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا سُنُنًا، فَتَكُونُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ نَقْصٌ، جَبَرَ نَقْصَهَا بِهَذِهِ النَّوَافِلِ، وَإِلَّا كَانَتِ النَّوَافِلُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ. وَأَطْوَلُ مَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ مَا بَيْنَ