وَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ رَجُلًا بِمَكَّةَ قَالَ: لَا آكُلُ شَيْئًا حَتَّى يُطْعِمُونِي، وَدَخَلَ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، فَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِخِرْقَةٍ، فَأَلْقَيَا إِلَيْهِ قَمِيصًا، وَأَخَذَا بِيَدَيْهِ، فَأَلْبَسَاهُ الْقَمِيصَ، وَوَضَعَا بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا، فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى وَضَعَا مِفْتَاحًا مِنْ حَدِيدٍ فِي فِيهِ، وَجَعَلَا يَدُسَّانِ فِي فَمِهِ، فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَجَعَلَ يَعْجَبُ. وَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ رَجُلًا تَرَكَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي يَدِهِ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ، وَتَرَكَ دُورَهُ لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَكَانَ يَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا مَطْرُوحًا، أَخَذَهُ مِمَّا قَدْ أُلْقِيَ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: مَا لَكَ حُجَّةٌ عَلَى هَذَا غَيْرُ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْأَسْوَدِ، قَالَ: بَلْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، كَانَ يَمُرُّ بِالْمَزَابِلِ، فَيَلْتَقِطُ الرِّقَاعَ، قَالَ: فَصَدَّقَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ: قَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ. ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ جَاءَنِي الْبَقْلِيُّ وَنَحْوُهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: لَوْ تَعَرَّضْتُمْ لِلْعَمَلِ، تُشْهِرُونَ أَنْفُسَكُمْ! قَالَ: وَأَيْشِ نُبَالِي مِنَ الشُّهْرَةِ؟ وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ زَادٍ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُطِيقُ وَإِلَّا فَلَا إِلَّا بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ، لَا تُخَاطِرْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: يَعْنِي إِنْ أَطَاقَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَسْأَلُ وَلَا تَسْتَشْرِفُ نَفْسَهُ لِأَنْ يَأْخُذَ أَوْ يُعْطَى فَيَقْبَلَ، فَهُوَ مُتَوَكِّلٌ عَلَى الصِّدْقِ، وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ التَّوَكُّلَ عَلَى الصِّدْقِ. قَالَ: وَقَدْ حَجَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَكَفَاهُ فِي حَجَّتِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَسُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَفَازَةَ بِغَيْرِ زَادٍ فَقَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ، فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَفَازَةَ بِغَيْرِ زَادٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ