أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يُؤْتَوْنَ مِنْ قِلَّةِ تَحْقِيقِ التَّوَكُّلِ، وَوُقُوفِهِمْ مَعَ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ بِقُلُوبِهِمْ وَمُسَاكَنَتِهِمْ لَهَا، فَلِذَلِكَ يُتْعِبُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْأَسْبَابِ، وَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا غَايَةَ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يَأْتِيهِمْ إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُمْ، فَلَوْ حَقَّقُوا التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ بِقُلُوبِهِمْ، لَسَاقَ إِلَيْهِمْ أَرْزَاقَهُمْ مَعَ أَدْنَى سَبَبٍ، كَمَا يَسُوقُ إِلَى الطَّيْرِ أَرْزَاقَهَا بِمُجَرَّدِ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الطَّلَبِ وَالسَّعْيِ، لَكِنَّهُ سَعْيٌ يَسِيرٌ. وَرُبَّمَا حُرِمَ الْإِنْسَانُ رِزْقَهُ أَوْ بَعْضَهُ بِذَنْبٍ يُصِيبُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقِ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» . وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حُرِّمَ» . وَقَالَ عُمَرُ: بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رِزْقِهِ حِجَابٌ، فَإِنْ قَنَعَ وَرَضِيَتْ نَفْسُهُ، آتَاهُ اللَّهُ رِزْقَهُ، وَإِنِ اقْتَحَمَ وَهَتَكَ الْحِجَابَ، لَمْ يَزِدْ فَوْقَ رِزْقِهِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: تَوَكَّلْ تُسَقْ إِلَيْكَ الْأَرْزَاقُ بِلَا تَعَبٍ وَلَا تَكَلُّفٍ. قَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ: حُدِّثْتُ «أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ: اعْمَلُوا لِلَّهِ وَلَا تَعْمَلُوا لِبُطُونِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَفُضُولَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ فُضُولَ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ رِجْزٌ، هَذِهِ طَيْرُ السَّمَاءِ تَغْدُو وَتَرُوحُ لَيْسَ مَعَهَا مِنْ أَرْزَاقِهِ شَيْءٌ، لَا تَحْرُثْ وَلَا تَحْصُدُ اللَّهُ يَرْزُقُهَا» ، فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنْ بُطُونَنَا أَعْظَمُ مِنْ بُطُونِ الطَّيْرِ، فَهَذِهِ الْوُحُوشُ مِنَ الْبَقْرِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِهَا تَغْدُو وَتَرُوحُ لَيْسَ مَعَهَا مِنْ أَرْزَاقِهَا شَيْءٌ لَا تَحْرُثُ وَلَا تَحْصُدُ، اللَّهُ يَرْزُقُهَا، خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015