لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِالْوَفَاءِ بِعُهُودِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَقَامُوا عَلَى عُهُودِهِمْ وَلَمْ يَنْقُضُوا مِنْهَا شَيْئًا. وَأَمَّا عُهُودُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَالْوَفَاءُ بِهَا أَشَدُّ، وَنَقْضُهَا أَعْظَمُ إِثْمًا. وَمِنْ أَعْظَمِهَا: نَقْضُ عَهْدِ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ تَابَعَهُ، وَرَضِيَ بِهِ، وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ: وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَّى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ» . وَيَدْخُلُ فِي الْعُهُودِ الَّتِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا، وَيَحْرُمُ الْغَدْرُ فِيهَا: جَمِيعُ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِذَا تَرَاضَوْا عَلَيْهَا مِنَ الْمُبَايَعَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ الَّتِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا، وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا يُعَاهِدُ الْعَبْدُ رَبَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَنَحْوِهِ.
الْخَامِسُ: الْخِيَانَةُ فِي الْأَمَانَةِ، فَإِذَا اؤْتُمِنَ الرَّجُلُ أَمَانَةً، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] [النِّسَاءِ: 58] ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ» ، وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ