الْمَشَايِخ أهل الاسْتقَامَة - رَضِي الله عَنْهُم -: بِأَنَّهُ لَا يُرِيد السالك مرَادا قطّ وَأَنه لَا يُرِيد مَعَ إِرَادَة الله عز وَجل سواهَا بل يجْرِي فعله فِيهِ فَيكون هُوَ مُرَاد الْحق. إِنَّمَا قصدُوا بِهِ فِيمَا لم يعلم العَبْد أَمر الله وَرَسُوله فِيهِ فَأَما مَا علم أَن الله أَمر بِهِ فَعَلَيهِ أَن يُريدهُ وَيعْمل بِهِ وَقد صَرَّحُوا بذلك فِي غير مَوضِع. وَإِن كَانَ غَيرهم من الغالطين يرى الْقيام بالإرادة الخلقية هُوَ الْكَمَال وَهُوَ " الفناء فِي تَوْحِيد الربوبية " وَأَن السلوك إِذا انْتهى إِلَى هَذَا الْحَد فصاحبه إِذا قَامَ بِالْأَمر فلأجل غَيره أَو أَنه لَا يحْتَاج أَن يقوم بِالْأَمر فَتلك أَقْوَال وطرائق فَاسِدَة قد تكلم عَلَيْهَا فِي غير هَذَا الْموضع.
فَأَما المستقيمون من السالكين كجمهور مَشَايِخ السّلف: مثل الفضيل بن عِيَاض وَإِبْرَاهِيم بن أدهم وَأبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي ومعروف الْكَرْخِي وَالسري السَّقطِي والجنيد بن مُحَمَّد وَغَيرهم من الْمُتَقَدِّمين، وَمثل الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَالشَّيْخ حَمَّاد وَالشَّيْخ أبي الْبَيَان وَغَيرهم من الْمُتَأَخِّرين. فهم لَا يسوغون للسالك وَلَو طَار فِي الْهَوَاء أَو مَشى على المَاء أَن يخرج عَن الْأَمر وَالنَّهْي الشرعيين بل عَلَيْهِ أَن يفعل الْمَأْمُور ويدع الْمَحْظُور إِلَى أَن يَمُوت وَهَذَا هُوَ الْحق الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع السّلف.
وَهَذَا كثير فِي كَلَامهم: كَقَوْل الشَّيْخ عبد الْقَادِر فِي كتاب " فتوح الْغَيْب ": " اخْرُج من نَفسك وتنح عَنْهَا وانعزل عَن ملكك. وَسلم الْكل إِلَى الله - تبَارك وَتَعَالَى - وَكن بوابه على بَاب قَلْبك، وامتثل أمره - تبَارك وَتَعَالَى - فِي إِدْخَال من يَأْمُرك بإدخاله وانته نَهْيه فِي صد من يَأْمُرك