وَإِنَّمَا كَانَ النزاع فِي عبَادَة غير الله واتخاذه رَبًّا؛ فَكَانُوا يعْبدُونَ الْكَوَاكِب السماوية ويتخذون لَهَا أصناما أرضية.
وَهَذَا " النَّوْع الثَّانِي من الشّرك " فَإِن الشّرك فِي قوم نوح كَانَ أَصله من عبَادَة الصَّالِحين - أهل الْقُبُور - ثمَّ صوروا تماثيلهم فَكَانَ شركهم بِأَهْل الأَرْض؛ إِذْ كَانَ الشَّيْطَان إِنَّمَا يضل النَّاس بِحَسب الْإِمْكَان فَكَانَ تزيينه " أَولا " الشّرك بالصالحين أيسر عَلَيْهِ.
ثمَّ قوم إِبْرَاهِيم انتقلوا إِلَى الشّرك بالسماويات فالكواكب، وضعُوا لَهَا " الْأَصْنَام " بِحَسب مَا رَأَوْهُ من طبائعها يصنعون لكل كَوْكَب بَيْتا وَطَعَامًا وخاتما وبخورا وأقوالا تناسبه.
وَهَذَا كَانَ قد اشْتهر على عهد إِبْرَاهِيم إِمَام الحنفاء؛ وَلِهَذَا قَالَ الْخَلِيل: {مَاذَا تَعْبدُونَ} {أئفكا آلِهَة دون الله تُرِيدُونَ} {فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين} وَقَالَ لَهُم: {أتعبدون مَا تنحتون} {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} .
وقصة إِبْرَاهِيم قد ذكرت فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن مَعَ قومه: إِنَّمَا فِيهَا نهيهم عَن الشّرك؛ خلاف قصَّة مُوسَى مَعَ فِرْعَوْن فَإِنَّهَا ظَاهِرَة فِي أَن فِرْعَوْن كَانَ مظْهرا الْإِنْكَار للخالق وجحوده.