وَلما وضع عمر الدِّيوَان للعطاء كتب النَّاس على قدر أنسابهم فَبَدَأَ بالأقرب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله فَلَمَّا انْقَضتْ الْعَرَب ذكر الْعَجم هَكَذَا كَانَ الدِّيوَان على عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وخلفاء بني أُميَّة وخلفاء بني الْعَبَّاس إِلَى أَن تغير الْأَمر بعد ذَلِك وَالْأَحَادِيث والْآثَار فِي ذَلِك كَثِيرَة أَصَحهَا مَا ذَكرْنَاهُ
وَسبب مَا اختصوا بِهِ من الْفضل وَالله أعلم مَا جعل الله لَهُم من الْعُقُول والألسنة والأخلاق والأعمال وَذَلِكَ أَن الْفضل إِمَّا بِالْعلمِ النافع أَو الْعَمَل الصَّالح وَالْعلم لَهُ مبدأ وَهُوَ قُوَّة الْعقل الَّذِي هُوَ الْفَهم وَالْحِفْظ وَتَمام وَهُوَ قُوَّة الْمنطق الَّذِي هُوَ الْبَيَان والعبارة فالعرب هم أفهم وأحفظ وأقدر على الْبَيَان والعبارة ولسانهم أتم الْأَلْسِنَة بَيَانا وتمييزا للمعاني
وَأما الْعَمَل فَإِن مبناه على الْأَخْلَاق وَهِي الغرائز المخلوقة فِي النَّفس فغرائزهم أطوع من غرائز غَيرهم فهم أقرب إِلَى السخاء والحلم والشجاعة وَالْوَفَاء من غَيرهم وَلَكِن حازوا قبل الْإِسْلَام طبيعة قَابِلَة للخير معطلة عَن فعله لَيْسَ عِنْدهم علم منزل وَلَا شَرِيعَة مأثورة وَلَا اشتغلوا بِبَعْض الْعُلُوم بِخِلَاف غَيرهم فَإِنَّهُم كَانَت بَين أظهرهم الْكتب الْمنزلَة وأقوال الْأَنْبِيَاء فضلوا لضعف عُقُولهمْ وخبث غرائزهم
وَإِنَّمَا كَانَ علم الْعَرَب مَا سمحت بِهِ قرائحهم من الشّعْر والخطب أَو مَا حفظوه من أنسابهم وأيامهم أَو مَا احتاجوا إِلَيْهِ فِي دنياهم من الأنواء والنجوم والحروب فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْهدى تلقفوه عَنهُ بعد مجاهدة شَدِيدَة ونقلهم الله عَن تِلْكَ الْعَادَات الْجَاهِلِيَّة الَّتِي كَانَت قد أحالت قُلُوبهم عَن فطرتها فَلَمَّا تلقوا عَنهُ ذَلِك الْهدى زَالَت تِلْكَ الريون عَن قُلُوبهم فقبلوا هَذَا الْهدى الْعَظِيم وأخذوه بِتِلْكَ الْفطْرَة الجيدة فَاجْتمع لَهُم الْكَمَال بِالْقُوَّةِ