لما قبله نحو "رأيت علياً يفعل الخير" وإما فاعل لفعل محذوف، نحو "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره، فأحد فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور.

وأجازالكوفيون تقديم الفاعل على المسند إليه. فأجازوا أن يكون "زهير" في قولك "زهير قام" فاعلا لجاء مقدماً عليه. ومنع البصريون ذلك. وجعلوا المقدم المبتدأ خبره الجملة بعده. كما تقدم. وتظهر ثمرة الخلاف بين الفريقين في أنه يجوز أن يقال، على رأي الكوفيين "الرجال جاء" على أن الرجال فاعل لجاء مقدم عليه. وأما البصريون فلم يجيزوا هذا التعبير. بل أوجبوا أن يقال "الرجال جاءوا". على أن الرجال مبتدأ، خبره جملة جاءوا، من الفعل وفاعله الضمير البارز. والحق أن ما ذهب إليه البصريون هو الحق وقد تمسك الكوفيون بقول الزباء [من الرجز]

ما للجمال مشيها وئيدا؟ ... أجندلا يحملن أم حديدا؟

فقالوا لا يجوز أن يكون "مشيها" مبتدأ، لأنه يكون بلا خبر، لأن "وئيداً" منصوب على الحال. فوجب أن يكون فاعلا لوئيداً مقدماً عليه. وقال البصريون أنه ضرورة. أو إنه مبتدأ محذوف الخبر، وقد سدت الحال مسده. أي ما للجمال مشيها يبدو وئيداً. على انه لا حاجة إلى ذلك. فهذا البيت على فرض صحة الاستشهاد به، شاذ يذوب في بحر غيره من كلام العرب.

ونرى أن الاستشهاد به لا يجوز، لأن الزباء هذه مشكوك في كثير من أخبارها. ثم انها لم تنشأ في بيئة يصح الاستشهاد بكلام اهلها. فانها من أهل "باجرما" وهي قرية من اعمال البليخ، قرب الرقة، من أرض الجزيرة، جزيرة "اقور"، التي بين الفرات ودجلة، وهي مجاورة لديار الشام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015