جامع التحصيل (صفحة 73)

أتى على الناس زمان وما يسال عن إسناده حديث فلما وقعت الفتنة سئل عن الإسناد وهذا ابن عمر رضي الله عنه كان يسأل سعيد بن المسيب عن قضايا أبيه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ثم يرجع إليه فيها وهي مرسلة لما وثق به وبمن يرسل عنه ولذلك كان يقول كثيرا سلوا سعيد بن المسيب فإنه قد جالس الصالحين وقال يحيى بن سعيد الأنصاري كان سعيد بن المسيب يسمى راوية عمر رضي الله عنه لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته وقد تقدم أن الشافعي رحمه الله استثنى مراسيل ابن المسيب من بقية المراسيل فجعلها مقبولة وأن جماعة من الأصحاب عللوا ذلك بأنه كان لا يرسل إلا عن ثقة ومقتضى ذلك أن من كان مثله فمراسيله أيضا مقبولة إلا أن الحاكم أبا عبد الله قال هذا لا يوجد في مراسيل غيره وقد خالفه غيره وقال ابن عبد البر مراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح وقالوا مراسيل عطا والحسن لا يحتج بهما لأنهما كانا يأخذان عن كل أحد وكذلك مراسيل أبي العالية وابي قلابة وهذا يقتضي أن جمهور ائمة الحديث فرقوا بين من لا يرسل إلا عن ثقة وبين غيره والظاهر أن المراد بالثقة من كان ثقة عنده وعند غيره أيضا بحيث يكون معروفا بالضبط والعدالة إن كان تابعيا أو هو من الصحابة المعروفين

وأما من يرسل عن غير المشهورين وإن كانوا عنده ثقات فالاحتمال المتقدم قائم أعني جواز كونه ضعيفا عند غير من أرسل عنه ضعفا يترجح على تعديله وإنما يندفع هذا الاحتمال بقسميه والمعتمد إنما هو تحصيل غلبة الظن بصحة هذا المرسل كما هي أيضا حاصلة من خبر الواحد المتصل البحث عن رجاله ومعرفة تزكيتهم ومن المعلوم أن ذلك لا يحصل بمجرد المرسل كل أحد لما قررناه فيما تقدم فمتى حصل ذلك إما ببعض الوجوه التي قالها الإمام الشافعي أو بأن الراوي لا يرسل إلا عن مشهور بالعدالة كان المرسل مقبولا وإلا فلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015