جامع الاصول (صفحة 8790)

8563 - (خ م س) ابن أبي مليكة قال: «توفيَتْ بنتٌ لعثمانَ بنِ عفانَ بمكةَ، فجئنا نشهدُها، وحضرها ابنُ عمر وابنُ عباس، فإني لجالس بينهما، فقال عبد الله بنُ عمر لعمرو بن عثمان - وهو مواجهه - ألا تَنْهى عن البكاء، فإن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: إن الميِّتَ ليعذَّبُ ببكاءِ أهلهِ عليه؟ فقال ابنُ عباس: قد كان عمرُ يقول بعضَ ذلك، ثم حدَّث، فقال: -[92]- صدرتُ مع عمر من مكة، حتى إذا كنَّا بالبَيداءِ، فإذا هو بِرَكْبٍ تحت ظِلِّ شجرة، فقال: اذهب فانظر مَن هؤلاء الركب؟ فنظرت، فإذا [هو] صُهيب، قال: فأخبرتُه، فقال: ادعُه، فرجعتُ إلى صهيب، فقلت: ارتحل، فالحق بأمير المؤمنين، فلما أن أصيب [عمر] دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر: يا صهيب، أتبكي عَليَّ وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إن الميِتَ ليعذَّبُ ببعضِ بكاءِ أهله عليه؟ فقال ابنُ عباس: فلما مات عمر ذكرتُ ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدَّثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إنَّ الميتَ يعذَّب ببكاء أهله عليه، ولكن قال: إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه، وقالت عائشة: حَسْبُكم القرآن {ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخرى} قال ابن عباس عند ذلك: واللهُ أَضحَكَ وأبكى، قال ابن أبي مليكة: فما قال ابن عمر شيئاً» أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية النسائي قال: قالت عائشة: «إنما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إن الله يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله [عليه] » .

وله في أخرى: قال ابن أبي مليكة «لما هلكتْ أُمُّ أبان حضرتُ مع أناس، فجلستُ بين عبد الله بن عمر، وابنِ عباس، فبكين النساء، فقال ابن عمر: ألا تنهى هؤلاء عن البكاء، فإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الميتَ ليعذَّب ببعضِ بكاءِ أهله عليه؟ فقال ابنُ عباس: قد -[93]- كان عمر يقول بعضَ ذلك، خرجت مع عمر، حتى إذا كنا بالبيداء رأى راكباً تحت شجرة، فقال: انظر من الركب، فذهبت، فإذا صهيبٌ وأهله، فرجعت إليه، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا صهيب وأهله، فقال: عَلَيَّ بصهيب، فلما دخلنا المدينة أصيب عمر، فجلس صُهيب يبكي عنده، يقول: وا أخَيَّاه، وا أُخَيَّاه، فقال [عمر] : يا صهيب، لا تبكِ، فإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: إنَّ الميت ليعذَّب ببعض بكاءِ أهلِه عليه، قال: فذكرتُ ذلك لعائشةَ، فقالت: أما والله ما تُحدِّثون هذا الحديث عن كاذِبَين مُكَذَّبَيْن، ولكن السمعَ يُخطئ وإن لكم في القرآن لَمَا يَشفيكم {ولا تزر وازرة وِزْرَ أُخرى} [فاطر: 18] ولكنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاءِ أهله عليه» (?) .

S (ولا تزر وازرة) الوِزْر: الإثم والذَّنْب المُثْقِلُ للظهر، والوازِرة: النفس المذنبة التي تذنب، والمراد: لا يحمل أحد من المذنبين ذَنْبَ غيره.

(يعذَّب ببكاءِ أهله عليه) قال الخطابي: يشبه أن يكون هذا من -[94]- حيث إنَّ العرب كانوا يوصون أهاليهم بالبكاء، والنَّوْح عليهم، وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم، وموجوداً في أشعارهم كثيراً، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك لما تقدَّم من أمره إليهم في وقت حياته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015