7509 - (خ م د) [بسر بن عبيد الله] قال: قال أَبو إدريس الخولاني: إنه سمع حذيفة - رضي الله عنه - قال: «كان الناس يسألون رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافةَ أن يدركَني، فقلتُ: يا رسولَ الله، إنَّا كنا في جاهليةِ وشرِّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخيرِ من شرِّ؟ قال: نعم، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دَخَن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يَستَنُّون بغير سُنَّتي، وَيهدُون بغير هَدْيي، تَعْرِفُ منهم وتُنْكِرُ، فقلت: فهل بعد ذلك الخيرِ من شرِّ؟ قال: نعم، دُعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله، [صِفْهم لنا، قال: نعم من جِلْدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا] فقلتُ: يا رسول الله، فما ترى - وفي رواية: فما تأمرني - إن أدركني ذلك؟ قال: تَلْزَم جماعة المسلمين وإمامَهم، قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعةُ ولا إمام؟ قال: فاعتزل تِلك الفِرَقَ كُلَّها، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرة، حتى يدرككَ الموتُ وأنت على ذلك» . أخرجه البخاري ومسلم.
ولمسلم نحوه، وفيه قلتُ: «ما دَخنُهُ؟ قال: قوم لا يستنُّون بِسُنَّتي، وسيقوم فيهم رِجَال قُلوبُهم قلوبُ الشياطين في جُثمان إنْس، قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركتُ ذلك؟ قال: تَسْمَعُ وتُطيع، وإن -[46]- ضُرِبَ ظهرُك، وأُخذ مالك، فاسمع وأطع» وأخرجه البخاري أيضاً مختصراً، قال حذيفة: «تعلَّم أصحابي الخيرَ وتعلَّمتُ الشرَّ» .
وفي رواية أبي داود قال سُبيع بن خالد: أتيت الكوفة في زَمن فُتِحَتْ تُسْتَرُ، أجلبُ منها بِغَالاً، فدخلتُ المسجد، فإذا صَدْعٌ من الرجال، وإذا رجل جالس، تعرِفُ إذا رأيتَهُ أَنَّه من رجال الحجاز، قلتُ: مَنْ هذا؟ فَتَجَهَّمني القومُ، وقالوا: ما تعرفه؟ هذا حذيفة صاحبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فسمعته يقول: «إن الناس كانوا يسألون رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر، فأحدَقَهُ القوم بأبصارهم، فقال: إني قد أرى الذي تنكرون إني قلتُ: يا رسول الله، أرأَيتَ هذا الخير الذي أعطاناه الله، أيكون بعده شرّ، كما كان قبلَه؟ قال: نعم، قلت: فما العِصْمَة من ذلك؟ قال: السيفُ، قلتُ: فهل للسَّيفِ مِنْ تَقيَّة (?) ؟ قال: نعم.
وفي رواية: بعد السيف: تَقيَّة (?) على أَقذاء، وهدنة على دخن، قال: قلتُ: يا رسول الله، ثم ماذا؟ قال: إن كان لله خليفةٌ في الأرض فضرب ظهرك، وأخذ مالك، فأطِعْهُ، وإلا فَمُتْ وأنتَ عاضٌّ بجِذْلِ شجرة: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال، معه نهرٌ ونار، فمن وقع في ناره، وجب أجره وحُطَّ وِزْرُه، ومن وقع في نهره وجب وِزْرُهُ، وُحطَّ أجْرُهُ، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هي قيام الساعة» . -[47]-
وفي رواية بهذا الحديث، وقال: «فإن لم تجد يومئذ خليفة، فاهْرُبْ حتى تموتَ وأنتَ عاضٌّ - وقال في آخره: قلتُ فما يكون بعد ذلك؟ قال: لو أن رَجُلاً نَتَجَ فرساً لم تُنْتَجْ له حتى تقوم القيامة» .
وفي أخرى له: قال نصر بن عاصم الليثي: أتينا اليشكريَّ في رهط من بني ليث، فقال: مَن القوم؟ فقلنا: بنو الليث، أتيناك نَسأَلُكَ عن حديثِ حذيفَةَ، قال: أقبلنا مع أبي موسى قافلين، وغَلتِ الدوابُّ بالكوفة، فسألتُ أبا موسى أنا وصاحبٌ لي، فأذِنَ لنا، فَقَدْمنا الكوفَةَ، فقلتُ لصاحبي: أنا داخل المسجد، فإذا قامت السّوقُ خرجتُ إليك، قال: فدخلتُ المسجدَ، فإذا فيه حَلْقَة، كأنما قُطِعَتْ رؤوسهم، يستمعون إلى حديث رجل، قال: فقمتُ عليهم، فجاء رجل، فقام إلى جنبي، فقلتُ: من هذا؟ قال: أَبَصْرِيٌّ أنتَ؟ قلت: نعم، قال: قد عرفتُ، ولو كنتَ كوِفيَّاً، لم تسأل عن هذا، قال: فدنوتُ منه، فسمعتُ حُذَيفةَ يقول: «كان الناسُ يسألونَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر، وعرفتُ أن الخيرَ لن يسبقَني، قلتُ: يا رسول الله، هل بعد هذا الشر خير؟ قال: يا حذيفة تعَلَّم كتابَ الله، واتَّبِعْ ما فيه - ثلاث مرات - قلتُ: يا رسولَ الله [هل] بعد هذا الخير شرّ؟ قال: فتنةٌ وشَرّ، قال: قلتُ: يا رسول الله [هل] بعدَ هذا الشَّرِّ خير؟ قال: يا حذيفة، تعلَّم كتاب الله، واتَّبِع ما فيه - ثلاث مرات - قلتُ: يا رسولَ الله، [هل] بعد هذا الشَّرِّ خير؟ قال: هُدْنَةٌ على دَخَن، -[48]- وجماعة على أقذاء فيها، أو فيهم، قلتُ: يا رسول الله، الهدنة على الدَخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوبُ أقوام على الذي كانت عليه، قلت: يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر؟ قال: يا حذيفة، تعَلَّمْ كتاب الله، واتَّبِعْ ما فيه - ثلاث مرات - قلتُ: يا رسول الله، بعد هذا الخير شرّ؟ قال: نعم فِتْنَة عَمْياءُ صَمَّاءُ، عليها دُعَاةٌ على أبواب النار، فإن مُتَّ يا حذيفة وأنتَ عاضٌّ على جِذْلِ شجرةِ خير لك من أن تَتَّبعَ أحداً منهم» .
وفي نسخة قال: أتينا اليَشْكُرِيَّ في رَهْط، فقلنا: أتيناك نسألك عن حديث حذيفة ... فذكر الحديث هكذا - ولم يذكر لفظه، قال: قلتُ: «يا رسول الله، هل بعد هذا الخير شر؟ قال: فتنةٌ وشر، قال: قلت: يا رسول الله، بعد هذا الشر خير؟ قال: يا حذيفة تعلَّمْ كتابَ الله، واتَّبِعْ ما فيه - ثلاث مرات - قلتُ: يا رسولَ الله، هل بعد هذا الشر خير؟ قال: هُدْنَة على دَخَنٍ، وجماعةٌ على أقذاءٍ، قلتُ: يا رسول الله، الهدنة على الدَّخَنِ ما هي؟ قال: لا ترجعُ قلوب أقوام على الذي كانت عليه، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، بعد هذا الخير شر؟ قال: فِتْنَةٌ عمياءُ صَمَّاءُ ... » الحديث (?) .
-[49]-
S (الصَّدْع) [بسكون الدال، وربما حُرِّك] : الخفيف من الرجال الدقيق، فأما في الوُعُول: فلا يقال إلا بالتحريك، والخطابي لم يفرق بينهما في التحريك، وقال: هو من الرجال: الشاب المعتدل القناة، ومن الوعول: الفتى.
(تجهَّمت فلاناً) أي: كلحت في وجهه، وتقبّضت عند لقائه.
(فأحدقوه) يقال: أحدق به الناس، أي: أطافوا به، وأحدقوه بأبصارهم، أي: حقَّقوا النظر إليه، وجعلوا أبصارهم محيطة به.
(العصمة) : ما يعتصم به، أي: يستمسك.
(تَقِيَّةٌ) : التَّقية والتقاة بمعنى، تقول: اتقى يتقي تُقاةً وتَقية.
(أقذاء) جمع القذى، والقذاء جمع القذاة، وهو ما يقع في العين من الأذى، وفي الشراب والطعام من تراب أو تبن، أو غير ذلك، والمراد به في الحديث: الفَسَاد الذي يكون في القلوب، أي: إنهم يتقون بعضهم بعضاً، ويظهرون الصلح والاتفاق: ولكن في باطنهم خلاف ذلك.
(هدنة على دخن) الهدنة والدخن، قد ذكرا، وقد جاء في الحديث تفسير الدخن، قال: «لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه» وأصل الدَخن: أن يكون في لون الدابة كُدورة إلى سواد، ووجه الحديث: أن تكون القلوب كهذا اللون، لا يصفوا بعضها لبعض. -[50]-
(جِذْل الشجرة) : أصلها، وجذل كل شيء: أصله.