جامع الاصول (صفحة 6851)

6625 - (خ م) قيس بن عُباد - رضي الله عنه - قال: «كنتُ -[82]- جالساً في مسجد المدينة، في ناس فيهم بعضُ أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فجاء رجُل في وجهه أثَر من خشوع، فقال بعض القوم: هذا رجل من أهل الجنة، هذا رجل من أهل الجنة، فصلَّى ركعتين تجوَّز فيهما، ثم خرج، فاتَّبَعتُه، فدخل منزله ودخلت فتحدَّثْنا، فلما اسْتَأنَسَ قلتُ [له] : إنَّك لما دخلتَ قبلُ قال رجل كذا وكذا، قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد أن يقولَ ما لا يعلم، وسأحدِّثك ما ذاك؟ رأيتُ رُؤيا على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فَقَصَصْتُها عليه: رأيتُني في رَوْضَة - ذَكَرَ سَعَتَها وعُشْبَها وخُضْرَتَها - ووسْطَ الروضة عمود من حديد، أسفلُه في الأرض، وأعْلاه في السماء، في أعلاه عُروة، فقيل لي: ارْقَهْ، فقلت: لا أستطيع، فجاءني مِنْصَف - قال ابنُ عَون، والمنصِفُ: الخادمُ - فقال بثيابي من خلفي - وصَفَ أنَّه رفعه من خلفه بيده - فرقِيتُ حتى كنتُ في أعلى العمود، فأخذتُ بالعُرْوَةِ، فقيل لي: اسْتَمْسِكْ، فلقد اسْتَيْقَظْتُ، وإنها لفي يدي، فَقَصَصْتُها على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، فقال: تلك الروضة: الإسلامُ، وذلك العَمُودُ، عمودُ الإسلام، وتلك العروة، عروةُ الوُثْقى، وأنت على الإسلام حتى تموتَ، والرجل: عبدُ الله بن سلام» .

وفي رواية قُرَّة بن خالد قال: «كنتُ في حَلْقة فيها سَعدُ بنُ مالك وابنُ عمر، فمرَّ عبدُ الله بن سلام، فقالوا: هذا رجُل من أهل الجنة ... -[83]- فذكر نحوه، وفيه: والمنصِف: الوصيف» أخرجه البخاري ومسلم.

ولمسلم أيضاً من رواية خَرَشَة بن الحُرّ قال: «كنتُ جالساً في حلقة في مسجد المدينة، قال: وفيها شيخ حَسَنُ الهيئة، وهو عبدُ الله بن سلام، قال: فجعل يحدِّثهم حديثاً حَسَناً، قال: فلما قدم قال القومُ: مَن سرَّه أن ينظرَ إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال: قلتُ: والله لأتْبَعَنَّهُ، فَلأعْلَمَنَّ مكان بيته، قال: فَتَبِعْتُه، فانطلق، حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه، قال: فأذن لي، فقال: ما حاجتُك يا ابنَ أخي؟ قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك - لما قمت- مَن سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعْجَبني أن أكونَ معك، قال: الله أعلم بأهل الجنة، وسأحدِّثك مِمَّ قالوا ذاك؟ إني بينا أنا نائم إذْ أتاني رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجوَاد على شمالي، قال: فأخذتُ لآخذَ فيها، فقال لي: لا تأخذُ فيها، فإنها طُرُق أصحاب الشمال، وإذا جَوَادُّ منهج على يميني، فقال لي: خذ هاهنا، قال: فأتى بي جَبَلاً، فقال لي: اصعد، قال: فجعلتُ إذا أردتُ أن أصعَد خَرَرْتُ [على اسْتِي] قال: حتى فعلتُ ذلك مراراً، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عموداً، رأسُه في السماء وأسفُله في الأرض، في أعلاه حَلْقة، فقال لي: اصعد فوق هذا، قال: قلتُ: كيف أصعَدُ هذا، ورأسُه في السماء؟ [قال] : فأخذ بيدي، فَزَجَل -[84]- بي، قال: فإذا أنا مُتعلِّق بالحلْقة، قال: ثم ضرب العمودَ فخرَّ، قال: وبقِيتُ متعلِّقاً بالحلقة، حتى أصبحتُ، قال: فأتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- فقصصتُها عليه، فقال: أمَّا الطُّرُق التي رأيتَ عن يسارك: فهي طرق أصحاب الشمال، وأمَّا الطرق التي رأيتَ عن يمينك: فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبلُ، فهو منزل الشهداء، ولن تنالَهُ، وأما العمودُ: فهو عمودُ الإسلام، وأما العروة: فهي عُروة الإسلام، ولن تزال مُتَمَسِّكاً بها حتى تموت» (?) .

S (تجوَّز) في صلاته: إذا اختصرها وقصرها.

(مِنصف) المِنصف بكسر الميم: الخادم.

(بجوادّ) الجوادّ جمع جادَّة، وهي الطريق.

(المنهج) : الطريق الواضح المطروق.

(خررت) خَرّ يخرّ: إذا وقع من فوق إلى أسفل.

(فزجل) زجَلْتُه وزجلت به: إذا دفعته ورميته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015