جامع الاصول (صفحة 658)

الكتاب الثالث: من حرف الباء في البخل وذم المال

449 - (خ م) الأحنف بن قيس - رضي الله عنه (?) - قال: قَدِمْتُ المدينة، فبينا أنا في حَلْقةٍ فيها مَلأُ من قُريش، إذْ جاء رجُلٌ أخْشَنُ الثياب، أخشنُ الجسَدِ، أخشنُ الوجه (?) ، فقام عليهم، فقال: بَشِّرِ الكانِزينَ برَضْفٍ يُحْمَى عليه، في نار جهنم، فيوضَعُ على حَلَمةِ (?) ثَدْي أحَدِهِم حتى يَخْرُجَ من نُغْضِ كَتِفِهِ، ويُوضَعُ على نُغْضِ كَتِفِهِ حتى يخرجَ من حَلَمة ثديه، يَتَزَلْزَلُ (?) ، قال: فوضع القومُ رؤُوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا، قال: فأدْبَرَ، فاتَّبعتُه، حتى جلس إلى ساريةٍ، فقلتُ: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلتَ -[605]- لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئًا، إنَّ خَليلي أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - دعاني فأجبتُه، فقال: «أتَرى أُحُدًا؟» فنظرتُ ما عليَّ من الشَّمْسِ، وأنا أظُنُّ أنَّهُ يَبْعَثُني في حاجةٍ له، فقلت: أراه، فقال: «ما يَسُرُّني أن لي مثله ذَهبًا أُنُفِقه كُلَّه، إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقِلُون شيئًا» قال: قلت: ما لك ولإخوانك من قريش لا تَعْتَرِيهِم وتُصيبُ منهم؟ قال: «لا، ورَبِّكَ، لا أسألُهم عن دُنيا (?) ، ولا أستفيهم عن دِين، حتى ألْحَقَ بالله ورسوله» . هذا لفظ مسلم، وهو عند البخاري بمعناه.

وفي رواية: أن الأحنف قال: كنت في نَفَر من قريش، فمرَّ أبو ذَرٍّ وهو يقول: بَشِّر الكانزين بكَيٍّ في ظُهُورهم، يخرُجُ من جُنوبهم. وبَكَيٍّ من قِبَلِ أقفائهم يخرج من جِبَاههم، ثم تنحَّى، فقعد، فقلتُ: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر. قال: فقمتُ إليه. فقلت: ما شَيءٌ سَمِعْتُك تقول قُبَيْلُ؟ قال: ما قلتُ إلا شيئًا سمعتُهُ من نبِيِّهم - صلى الله عليه وسلم -، قال: قُلتُ: ما تَقُولُ في هذا العطاء؟ قال: خُذه، فإن فيه اليوم مَعونةً، فإذا كان ثمنًا لدِينك فدعْهُ.

وفي أخرى بعض هذا المعنى قال: كنتُ أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ينظُرُ إلى أُحُدٍ، فقال: ما أُحِبُّ أن يكون لي ذهبًا تُمسِي عليَّ ثالثةٌ وعندي منه شَيءٌ.

وفي رواية: وعندي منه دينار، إلا دينارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إلا أن -[606]- أقولَ به في عباد الله، هكذا، حَثَا بين يَديه، وهكذا عن يمينه، وهكذا عن شماله (?) .

Sالكنَّازين: الكنَّازون: جمع كناز: وهو الذي يكنز الذهب والفضة: أي يجعلهما كنزًا، والكنز: المال المدفون.

بِرَضْفٍ: الرَّضفُ: جمع رضفة. وهي الحجر يحمى ويترك في اللبن ليُحْمى.

حلمة ثديه: حلمة الثدي: هي الحبة على رأسه.

نغض الكتف: غضروفه.

تعتريهم: عراه واعتراه: إذا قصده يطلب رفده وصلته.

أرصده: رصدت فلانًا: ترقبته، وأرصدت له: أعددت له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015