5809 - (خ م د) أبو هريرة - رضي الله عنه- قال: إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى، ولا صفرَ، ولا هامةَ، فقال أعرابيُّ: يا رسول الله، فما بالُ إبل تكون في الرمل كأنها الظَّبَاءُ، فيأتي البَعيرُ الأجرَبُ، فيدخل فيها فيُجْرِبُها [كُلَّها] ؟ فقال: فَمن أَعدَى الأولَ؟» .
قال البخاري: ورواه الزهريُّ عن أبي سلمة [بن عبد الرحمن] ، وسنان بن أبي سنان، وفي رواية سنان وحده، بنحو ذلك.
وفي رواية لأبي سلمة: أنه سمع أبا هريرة بعدُ يقول: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: -[635]- «لا يُورِدَنّ مُمْرِض على مُصِحّ» وأنكر أبو هريرة حديثَ الأولِ، قلنا: ألم تُحدِّثْ: أنه «لا عدوى» ؟ فَرَطن بالحبشية، قال أبو سلمة: فما رأيتُه نَسِيَ حديثاً غيرَه.
وفي رواية أخرى عن أبي سلمةَ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى» وتحدَّث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يُورِدُ مُمْرِض على مُصِحّ» . قال الزهري: قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدِّث بهما كليهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ثم صَمَتَ أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: «لا عدوى» وأقام على أن «لا يُورِدُ مُمرِض على مصح» قال: فقال الحارث بن أبي ذُبَاب - وهو ابن عم أبي هريرة - قد كنتُ أسمعك يا أبا هريرة تحدِّثنا مع هذا الحديث حديثاً آخرَ قد سكَتَّ عنه، كنتَ تقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لا عدوى» ؟ فأبَى أبو هريرةَ أن يعرف ذلك، وقال: «لا يورِدُ ممرِض على مصح» . فَمارَاهُ (?) الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة فَرَطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلتُ؟ قال: لا، قال أبو هريرة: إني قلت: «أتِيتَ» (?) قال أبو سلمة: ولعَمْري، لقد كان أبو هريرة يحدِّثنا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى» فلا أدري: أَنِسي أبو هريرة، أو نَسَخَ أحَدُ القولين الآخر؟
وفي رواية أخرى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا طيرَةَ، -[636]- وخيرها الفأْلُ، قيل: يا رسول الله، وما الفأْلُ؟ قال: الكلمةُ الصالحةُ يسمعُها أحدُكم» أخرجه البخاري ومسلم.
وللبخاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى، ولا طيرَةَ، ولا هامةَ، ولا صفرَ» .
وله في أخرى زيادة «وفِرَّ من الْمَجْذُومِ كما تَفِرُّ من الأسد» .
ولمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى، ولا هامةَ، ولا نَوْءَ، ولا صفرَ»
وفي أخرى «لا عدوى، ولا هامة، ولا طِيرَة، وأُحِبُّ الفألَ الصالحَ» .
وأخرج أبو داود من هذا الحديث الرواية الأولى، وأخرج نحو الرواية الثانية أخصر منها، وأخرج رواية مسلم التي فيها النَّوْءَ.
وله في أخرى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا غُول» قال أبو داود: قال بقيَّةُ: سألت محمد بن راشد عن قوله: «ولا هام» ؟ فقال: كان أهل الجاهلية يقولون: ليس أحدٌ يموتُ فيُدَفن إلا خرج من قبره هامة، وعن قوله: «لا صفر» ؟ قال: كانوا يَسْتَشْئِمُونَ بدخول صفر، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: «لا صفر» قال: وسمعتُ من يقول: «هو وَجَع يأخذ في البطن، يزعمون أنه يُعْدي» . قال أبو داود: وقال مالك: كان أهل الجاهلية يُحِلُّون صُفرَ عاماً، ويُحرِّمونه عاماً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: -[637]- «لا صفر» (?) .
S (ولا هَامَة) الهَام جمع هامة، وهو طائر كانت العرب تزعم أن عِظَام الميت تصير هامة فتطير، وكانوا يقولون: إن القتيل تخرج من هامته - أي: رأسه - هامة، فلا تزال تقول: اسْقُوني، اسْقُوني، حتى يُقْتَل قاتله.
(لا يُورِدُ مُمْرِض على مُصِحّ) المُمْرِض: هو الذي إبله مِرَاض، والمُصِحّ الذي أبله صِحَاح، فنهى أن يُورِد صاحب الإبل المِرَاض إبله على إبل ذي الإبل الصحاح، لا لأجل العدوى، ولكن الصحاح ربَّما مرضت بإذن الله وقدره، فيقع في نفس صاحبها: أن ذلك إنما كان من قِبَل العدوى، فيفتنه ذلك، ويُشكِّكه في أمره، فأمره باجتنابه والبعد عنه، لعدم اعتقاده لهده العدوى، وقد يحتمل أن يكون ذلك من قِبل المرعى والماء، فتسْتَوبِله الماشية، فإذا شاركها في ذلك غيرها وارداً عليها: أصابه مثل ذلك الداء، والقوم لجهلهم يسمونه: عدوى، وإنما هو فعل الله تعالى.
(فَرَطَن) الرَّطانة: التكلُّم بالعجمية أيّ لغة كانت.
(فَمَارَاه) المُمَاراة والمُجادلة: المُخاصمة. -[638]-
(أتِيت) أي: دُهِيت وتغيَّر عليك حِسُّك، فتوهمت ما ليس بصحيح صحيحاً.
(خَيْرُها الفَأْل) الفأل: أصله الهمز، وقد يخفَّف، وهو مثل أن يكون الرجل مريضاً، فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالباً، فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقع في ظنه أن يبرأ من مرضه، ويجد ضالته، فيتوقَّع صحة هذه البشرى، ويتنفَّس بذلك نفسه، لأنه وقع من القائل على جهة الاتفاق، تقول منه: تفَاءَلْت، والافْتئال: افِْتعال منه، فالفأل: فيما يُرجى وقوعه من الخير، ويَحسن ظاهره، ويَسُرُّ، والطِّيَرة: لا تكون إلا فيما يَسوء، وإنما أحَبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم- الفأل: لأن الناس إذا أمَّلُوا فائدةً من الله، ورَجَوْا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي: فهم على خير، وإن لم يُدرِكوا ما أمَّلوا، فقد أصابوا في الرجاء من الله وطلب ما عنده وفي الرجاء لهم خير مُعَجَّل، ألا ترى أنهم إذا قطعوا أمَلَهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر؟ فأما الطِّيَرة، فإن فيها سوء الظَّنِّ، وقطع الرجاء، وتوقُّع البلاء وقُنُوط النفس من الخير، وذلك مذموم بين العقلاء، منهي عنه من جهة الشرع.
(ولا نَوءَ) النَّوء: واحد الأنواء، وهي ثمانية وعشرون نجماً، هي منازل القمر، تسقط كل ثلاث عشر ليلة منها منزلة من طلوع الفجر وتطلع أخرى مُقَابِلَها، فتنقضي هذه الثمانية والعشرون مع انقضاء السنة، -[639]- وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع نظيرها: يكون مطر فَيَنْسُبُون المطر إلى المنزلة، ويقولون: مُطِرنا بِنَوء كذا، وإنما سُمِّي نَوءاً لأن إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق، أي: طلع ونهض، وقيل: إن النوء هو الغروب، وهو من الأضداد، قال أبو عبيد: ولم يُسمع في النوء أنه السقوط إلا من هذا الموضع.
وإنما غلظ النبي - صلى الله عليه وسلم- في أمر الأنواء، لأن العرب كانت تنسب المطر إليها فأما من جعل المطر من فعل الله عز وجل، وأراد بقوله: مُطِرنا بنوء كذا، أي: في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز، وقد قيل: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أراد أن يستسقي، فنادى بالعباس بن عبد المطلب: «كم بقي من نوء الثُّرَيَّا؟ فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأُفق سبعاً بعد وقُوعها، فما مضت تلك السَّبع حتى غِيث الناس» وأراد عمر: كم بقي في الوقت الذي قد جرت العادة أنه إذا تَمَّ أتى الله بالمطر؟ .