الفصل الثالث: في المسح على الخُفَّين، وفيه أربعة فروع
5269 - (خ م ط د ت س) المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: «كنتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- في سَفَر، فقال: يا مُغيرةُ، خُذِ الإداوةَ، فأخذتُها، فانطلقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى تَوارَى عَنِّي، فقضى حاجَتَهُ وعليه جُبَّة شاميَّة، فذهبَ ليُخرِجَ يده من كُمِّها، فضاقتْ، فأخرج يدَه من أسفلها، فَصبَبْتُ عليه، فتوضَّأ وضوءَهُ للصلاة، ومَسَحَ على خُفَّيْهِ، ثم صلَّى» . -[229]-
وفي رواية قال: «وَضَّأتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فمسح على خُفَّيه وصلَّى» .
وفي أخرى «أنَّه انْطَلَقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لحاجته، ثم أقْبَل، فَتَلَقَّيْتُه بماء، فتوضأ، وعليه جُبَّة شاميَّة، فمضمض، واستنشق، وغسل وجهه، فذهبَ يخرجُ يديه من كُمَّيه، فكانا ضيِّقيْن، فأخرجهما من تحته فغسلهما، ومسح برأسه، وعلى خفيه» .
وفي أخرى «أنه كان مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- في سفر، وأنه ذهب لحاجته، وأنَّ المغيرة جعل يَصُبُّ عليه، وهو يتوضأ، فغسل وجهه، ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين» .
وفي أخرى «ذهب َالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم- لبعض حاجاته، فقمت أسْكُبُ عليه الماءَ - لا أعْلمه إلا قال: في غزوة تبوك - فَغَسَلَ وجهه وذهبَ يَغْسِلُ ذِرَاعَيه، فضاق عليه كمُّ الجُبَّة، فأخرجهما من تحت جُبَّتِهِ، فغسلهما، ثم مسح على خفَّيه» .
وفي أخرى: «كنتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأهْويتُ لأنزعَ خفيه، فقال: دَعْهما فإني أدخلتُهما طاهرتين، فمسح عليهما» .
وفي أخرى «كنتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- ذاتَ ليلة في مَسِير، فقال لي: أمعك ماء؟ فقلت: نعم فنزل عن راحلته يمشي، حتى توارَى في سوادِ الليل، ثم جاء، فأفْرَغْتُ عليه من الإداوة، فغسل وجهه وعليه جبَّة من -[230]- صُوف، فلم يستطعْ أن يُخرِجَ ذراعيه منها، حتى أخرجَهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويتُ لأنزِع خُفَّيه، فقال: ... وذكر الحديث» . أخرجه البخاري ومسلم.
ولمسلم في أخرى «أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفَّين ومُقَدَّمِ رأسه، وعلى عِمامته» .
وفي أخرى «توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العِمامة، وعلى الخُفين» .
وقد تقدَّم لمسلم في «كتاب الصلاة» روايتان لهذا الحديث، وهما في «باب صلاة الجماعة» . وأخرجه «الموطأ» ، وقد تقدَّمت روايتُه هنالك.
وفي رواية أبي داود قال: «كُنَّا معَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في رَكبَة، ومعي إدَاوَة، فخرج لحاجته، ثم أقْبَلَ، فَتلقَّيتُه بالإداوة، فأفرَغْتُ عليه، فغسل كفَّيه ووجهه، ثم أراد أن يُخرج ذراعيه، وعليه جبة من صوف من جِباب الرُّوم ضيِّقَةُ الكمَّين، فضاقت، فَادَّرَعهما ادِّراعاً، ثم أهويتُ إلى الخفين لأنزِعهما، فقال: دع الخفين، فإني أدخلتُ القدمين الخفين وهما طاهرتان، فمسح عليهما» .
قال الشعبي: شهد لي عروة - يعني: ابنَ المغيرة - على أبيه، وشهدَ أبوه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. -[231]-
وله في أخرى: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الخفين [وعلى ناصيته] ، وعلى عمامته» .
وله في أخرى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفَّين، فقلتُ: يا رسول الله، نَسيتَ؟ قال: بل أنتَ نَسيتَ، بهذا أمرني ربي عز وجل» .
وفي رواية الترمذي «أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- توضأ، ومسح على الخفين والعِمامة» لم يزد على هذا القدر.
وفي رواية النسائي قال: «خرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- لحاجته، فلما رجع تلقَّيته بإداوة، فصببتُ عليه، فغسل يديه، ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه، فضاقت به، فأخرجهما من أسفل الجبة، فغسلهما ومسح على خفيه، ثم صلى بنا» .
وفي أخرى «أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- خرج لحاجته، فاتَّبَعه المغيرةُ بإداوة فيها ماء، فصبَّ عليه حتى فرغَ من حاجته، فتوضأ ومسح على خفيه» .
وفي أخرى قال: «كنتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- في سفر، فقال: تَخلَّفْ يا مُغَيرةُ، وامضوا أيها الناس،، فتخلفتُ ومعي إداوة من ماء، ومضى الناسُ، فذهبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لحاجته، فلما رجعَ ذهبتُ أصُبُّ عليه، وعليه جبَّة رُوميَّة ضيِّقَةُ الكُمَّين، فأراد أن يُخرِجَ يده منها، -[232]- فضاقتْ عليه، فأخرج [يده] من تحت الجبة، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على خفيه» .
وفي أخرى له قال: «كُنَّا معَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سفر فقرع ظهري بعصاً كانت معه، فَعدَل، وعدلْتُ معه، حتى أتينا كذا وكذا من الأرض، ثم سار حتى توارى عني، ثم جاء فقال: أمعك ماء؟ ومعي سَطيحة لي، فأتيتُه بها فأفْرغتُ عليه، فغسل يديه ووجهه، وذهبَ ليَغْسِل ذراعَيه، وعليه جبة شامية ضيقة الكُمَّين، فأخرج يده من تحت الجبة، فغسل وجهه وذراعيه، وذكر من ناصيته شيئاً، وعِمامته شيئاً - قال ابن عَون: لا أحفظ كما أريد - ثم مسح على الخفين، ثم قال: حاجتَك؟ قلتُ: يا رسول الله، ليست لي حاجة، فجئنا وقد أمَّ الناسَ عبد الرحمن بنُ عوف وقد صلى بهم ركعة من الصبح، فذهبتُ لأُوذِنَهُ، فنهاني، فصلَّينا ما أدركنا، وقضينا ما سُبِقْنا» .
وله في أخرى نحوها، وقال في آخره: «فألْقاها على مَنْكبيْه، فغسل ذراعيه، ومسح بناصيته، وعلى العِمامة، وعلى الخفين» .
وقال في أخرى: «فأخرجهما من أسفل الجبة فغسلهما، ومسح على خفيه، ثم صلى بنا» . -[233]-
وله في أخرى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح ناصيته، وعمامته، وعلى الخفين» (?) .
S (أهويت) بيدي إلى الشيء: إذا مددتها إليه.
(تَوَارى) التَّواري: الاستتار.
(رَكَبة) الرَّكَبة بالتحريك: أقل من الرَّكْب، والرَّكْب: أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها.
(فادَّرَعَهما ادّرَاعاً) قال الخطابي: «ادّرَعَهما» أي: نزع ذِرَاعيه عن الكُمَّين، وأخرجهما من تحت الجُبَّة، ووزنه: افْتَعَل، من ذرع، أي: مدَّ ذِرَاعيه، كما يقال: اذّكَرَ من ذَكَرَ. -[234]-
قلت: وحقيقة ذلك من الذِّراع، وهو السَّاعِد، والذَّرْع: بَسط اليد ومدُّها، أي: مدُّ الذِّراع، والتذريع في المشي: تحريك الذِّراعين، فإذا بَنَيْت افْتَعَل من الذَّرْع.
قلت: اذْتَرَع يَذْتَرِع اذْتِرَاعاً، فلما اجتمع الذال والتاء - والنطق بهما ثقيل - أرادوا أن يُدغموا لتخفيف النطق، فقلبوا التاء دالاً غير معجمة، لأنها من مخرجها، ولأن الدال أخت الذال، فاجتمع دال وذال، ولهم حينئذ فيما كان من هذا النوع مذهبان: فمنهم من يقلب الذال المعجمة دالاً ويُدغم، فيقول: مُدَّرِع، بدال مشددة غير معجمة، ومنهم من يقلب الدال غير المعجمة ذالاً معجمة، فيقول: مُذَّرِع، بذال مشددة معجمة، ومثله: مُدَّكر ومُذَّكر، فإن كانت الرواية الأولى كما فسَّره الخطابي فهو «اذَّرعهما» بذال معجمة، ويجوز أن يكون بدال غير معجمة، على التقدير الذي ذكرناه، ويكون المراد بها: المعنى المطلوب من الاذَّراع بالذال المعجمة، وإلا فالادَّراع - بالدال المهملة - على غير هذا التقدير، فإنما هو افتعال من الدَّرع بالدال غير المعجمة، وهو لبس الدِّرع أو الدُّرَّاعة، وذلك بخلاف المطلوب من الحديث، فإنه إنما أراد: إخراج يديه، لا إدخالهما.
وقال الأزهري في الحديث: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم- اذّرع ذراعيه من أسفل الجبة اذراعاً» . قال النضر: اذّرع ذراعيه، أي: أخرجهما، وكذا قال -[235]- فيه الهروي، فإن كانت الرواية هكذا، فقد زال ذلك التعسُّف، إلا أن تفسير الخطابي له، أن وزنه: «افْتَعَل» يمنع من هذا وقول الخطابي أولى، لأن الحديث أخرجه أبو داود في " السنن "، وهو شرح ما أخرجه أبو داود في " المعالم "، وقيَّده بهذا القول، وهو كان أعرف بالحديث من غيره.
(فقرع) قرعته بالعصا، أي: ضربته بها.
(لأُوذِنَه) آذَنْتُه بالشيء أُوذِنُه إيذاناً: إذا أعلمتَه.