جامع الاصول (صفحة 548)

340 - (خ م ت د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: كنتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفرٍ، وكنتُ على جَمَلٍ ثَفالٍ، إنما هو في آخر القوم، فمرَّ بيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «مَن هذا؟» . قُلتُ: جابرُ بن عبد الله، قال: «مالَكَ؟» قلت: إِن على جمل ثَفَالٍ (?) ، قال: أَمَعَكَ قَضيبٌ؟ قلتُ: نعم. قال: «أَعْطِنِيهِ» ، فأعْطَيْتُهُ، فَضَرَبه وزجره، فكان من ذلك المكان في أول القوم، قال: «بِعنِيهِ» ، فقلتُ: بَل هو لك يا رسول الله، قال: «بل بِعنِيهِ، قد أَخذتُهُ بأربعة دنانير، وَلَكَ ظَهْرُهُ (?) إِلى المدينة» ، فلما دنونا من المدينة -[510]- أَخذتُ أَرتَحِلُ، قال: أَيْنَ تُريدُ؟ قُلتُ: تزوجتُ امرأةً قد خَلا مِنْها، قال: «فهلا جاريةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟» قُلتُ: إِنَّ أَبي تُوفِّيَ وتَرَكَ بناتٍ، فَأَرَدتُ أَنْ أَتَزَوَّج امرأةً قد جَرّبتْ، وخلا منها، قال: «فذلك» ، قال: فلما قدمنا المدينة، قال: «يا بلالُ، اقْضِهِ، وزِدْهُ» ، فأعطاهُ أَربعةَ دنانير، وزاده قِيراطًا (?) ، قال جابر: لا تفارقُني زِيادَةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن القيراطُ (?) يُفَارِقُ قِرَابَ جابر بن عبد الله. هذا لفظ البخاري.

وفي رواية له، ولمسلم قال: غزوتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَتَلاحَقَ بي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأَنا على ناضِحٍ لنا قد أَعْيَى، قال: فتَخَلَّفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فزجره ودعا له، فما زال بَين يَديَ الإِبل، قُدَّامَها يسير، فقال لي: «كيف ترى بعيرك؟» فقلتُ: بخير، قد أصابته بركَتُكَ، قال: «أَفَتَبِيعُنيهِ؟» ، قال: فاستحييت، ولم يَكُنْ لنا ناضِحٌ غيرَه، قال: فقلت: نعم! فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ، عَلى أنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ، حتى أَبلغَ المدينة. قال: فقلت: يا رسول الله، إِنِّي عروسٌ، -[511]- فاستأذنتُه، فأذن لي، فتقدمتُ الناسَ إلى المدينة، حتى أتيتُ المدينة، فلقيَني خالي، فسألني عن البعير، فأخبرتُه بما صنعتُ فيه فَلامَني، قال: وقد كانَ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استأذنتُه -: هل تزوجتَ بكرًا أم ثيبًا؟ قلت: تزوجتُ ثيبًا، فقال: «هلا تزوجتَ بكرًا تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟» قلتُ: يا رسول الله: تُوُفِّيَ والدي، أَو استُشهِدَ، ولي أَخواتٌ صِغَارٌ، فكرهتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فلا تُؤدِّبُهُنَّ، ولا تقومُ عليهنَّ، فتزوجتُ ثَيِّبًا لتقومَ عليهنَّ، وتؤدِّبَهُنَّ، قال: فلما قَدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غَدَوتُ عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، ورَدَّهُ عَلَيَّ.

وفي أخرى: أنه كان يسير على جمل له قد أعيَى، فَمَرَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَضَرَبَهُ، ودَعَا له، فَسارَ بِسيْرٍ ليس يَسيرُ مثلَهُ، ثم قال: «بِعْنِيهِ بِأُوقيَّةٍ» ، قلت: لا، ثم قال: «بعنيه بأُوقية» ، فبعتُهُ، واستثنيتُ حُمْلانَهُ إِلى أهلي، فلما قدمنا أَتيتُه بالجمل، وَنَقَدَني ثَمنَهُ، ثم انصرفتُ، فأرسلَ على أثري، فقال: «ما كنتُ لآخُذَ جملكَ، فخذ جَمَلكَ، فهو مَالُكَ» .

قال البخاري: قال جابر: أَفْقَرَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ إِلى المدينةَ (?) .

وقال في أخرى: فبعتُه على أَنَّ لي فَقَارَ ظَهْرِهِ حتى أَبْلُغَ المدينَةَ (?) . -[512]-

وقال في أُخرى: لَك ظَهْرُه إِلى المدينة (?) . وفي أُخرى: وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إِلى المدينة (?) .

قال البخاري: الاشتراط أكثر وأَصَحُّ عندي (?) .

قال: وفي رواية: أنه اشتراه بأوقية.

وفي أخرى: «بأربعة دنانير» .

قال البخاري: وهذا يكون أوقية، على حساب الدنانير بعشرة.

وقال في رواية: أوقية ذهبٍ، وفي أخرى: مائتي درهم.

وفي أخرى قال: اشتراه بطريق تبوك، أحْسبُهُ قال: بأربع أواقيّ. -[513]- وفي أخرى: بعشرين دينارًا. قال البخاري: وقولُ الشَّعْبِيِّ: بأوقيةٍ، أكثر (?) .

وفي رواية للبخاري ومسلم نحو الرواية الأولى، وفيه: فنزل فَحَجَنَهُ بِمحْجَنِهِ، ثم قال: اركَبْ - وذكر نحوه - وقال فيه: أمَا إنَّكَ قَادِمٌ، فإذا قَدِمْتَ فالْكَيْسَ الْكَيْسَ. وفيه: فاشتراه مني بأوقية، وفيه: فقدِمتُ بالغداة فجئتُ المسجدَ فوجدتُه على باب المسجد، فقال: الآن قَدِمَّتَ؟ قلتُ: نعم. قال: فَدَعْ جَمَلَكَ وادْخُل فصَلِّ ركعتين، فدخلتُ فَصَلَّيْتُ، ثم رجعتُ، فأمر بلالاً أنْ يَزِن لي أوقيةً، فَوَزَنَ لي بلال، فَرَجَحَ الميزان، فَانْطَلَقْتُ، فلَمَّا وَلَّيْتُ قال: ادْعُ لي جابِرًا، فَدُعِيتُ، فقلتُ: الآن يَرُدُّ عليَّ الْجَمَلَ، ولم يكن شيء أبغضَ إليهَ منه، فقال: خُذْ جَمَلَكَ، ولك ثَمنُه.

وفي رواية لهما أيضًا، قال: كُنَّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاةٍ، فلما أقبلنا تَعَجَّلْتُ على بَعِيرٍ لي قَطُوفٍ، فلحقني راكبٌ من خلفي، فَنَخَس بَعِيري بِعَنزَةٍ كانت معه، فانطلق بعيري كأجودَ ما أنتَ راءٍ من الإبلِ، فَالتفتُّ، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ما يُعْجِلُكَ يا جابرُ؟» قلتُ: يا رسول الله، إني حديثُ -[514]- عهد بعُرسٍ، قال: «أبِكْرًا تزوجتَها، أم ثيبًا؟» - فذكره - قال: فلما ذهبنا لِندخلَ قال: «أمْهِلوا، حتَّى نَدخُلَ ليلاً، أي: عِشاءً (?) ، كَيْ تَمتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتَستَحِدَّ المُغِيبَةُ» زاد مسلم: فإذا قدمتَ فالكَيْسَ الْكَيْسَ.

وفي رواية لمسلم قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعْيَى جملي - وذكر نحو حديث قبله - وفيه: ثم قال لي: «بِعْني جملَكَ هذا» ، قلتُ: لا، بل هو لك، قال: «لا، بل بِعنِيهِ» ، فقلتُ: لا، بل هو لك يا رسول الله، قال: «لا، بل بِعْنِيهِ» ، قُلتُ: فإنَّ لرجلٍ عليَّ أوقِيَّةً من ذَهَب، فهو لك بها، قال: «قد أخذتُه، فَتَبَلَّغْ عليه إلى المدينة» ، قلما قدمتُ المدينة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلالٍ: «أعطِهِ أوقيةً من ذهبٍ وزِدْهُ» ، قال: فأعطاني أوقيةً من ذهبٍ، وزادني قيراطًا، قال: فقلتُ: لا تفارقُني زيادةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكان في كِيسٍ لي، فأخذه أهل الشام يومَ الحَرَّةِ.

وفي أخرى لمسلم نحو ذلك، وفيه قال: أتَبِعْنيه بكذا وكذا والله يغفر لَكَ؟ قلتُ: هو لك يا نبي الله، قال ذلك ثلاثًا، وذكر الحديث. وفي أخرى له، قال لي: ارْكَب بِسْم الله، وفيه: فما زال يزيدُني ويقول: واللهُ يَغْفِرُ لَكَ.

وفي أخرى له قال: فَنَخَسَهُ، فَوَثَبَ، فكنْتُ بعد ذلك أحْبِسُ خُطامَهُ -[515]- لأسمعَ حديثَهُ، فما أقدِرُ عليه، فَلَحِقَني النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «بِعْنِيهِ» ، فبعتُهُ، بِخَمْسٍ أواقيَّ، قال: قلت: على أنَّ لي ظهره إلى المدينة، فلما قَدِمْتُ المدينةَ أتَيْتُهُ، فزادني أوقيَّة، ثم وَهَبَه لي.

وفي رواية لهما قال: سافرتُ معه في بعض أسفَارِهِ - قال أبو المتوكل: لا أدْري غَزْوَةً، أو عُمْرةً - فلما أن أقبلنا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحَبَّ أنْ يَتَعَجَّلَ إلى أهله فَلْيَتَعَجَّلُ» ، قال جابر: فأقبلنا، وأنا على جمل لي أرمل، ليس فيه شِيَةٌ، والناس خَلْفي، فبينما أنا كذلك إذ قام عليّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا جابر، اسْتَمْسِكْ» ، فضربه بِسوطِهِ، فوثبَ البعير مكانه، فقال: «أتبيع الجملَ؟» فقلت: نعم، فلما قَدِمنا المدينة، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد في طوائفَ من أصحابه، دخلتُ إليه، وعَقَلْتُ الجمل في ناحية البَلاَطِ، فقلت له: هذا جملُك، فخرج فجعل يُطيفُ بالجمل، ويقول: الجملُ جَملُنا، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بأوَاقِيَّ من ذهَبٍ، فقال: «أعطوها جابرًا» ، ثم قال: «استوفَيْتَ الثَّمَنَ؟» قُلتُ: نعم؛ قال: «الثمنُ والجملُ لك» .

وفي رواية قال: اشترى منِّي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بِوُقيَّتين ودرهم أو درهمين، فلما قدمَ صِرارًا أمَرَ ببقرة فذُبِحَتْ، فأكلوا منها، فلما قدموا المدينة، أمَرَني أنْ آتيَ المسجدَ، فأصلي فيه ركعتين، وَوَزَنَ لي ثمن البعير. ومن الرواة مَنِ اقْتَصَرَ على ذِكْرِ الركعتين في المسجد. وفي رواية: أنه لما قدم المدينة نَحَرَ جَزُورًا. -[516]-

هذه روايات البخاري ومسلم التي ذكرها الحُمَيْدِي في كتابه في ذكر بيع الجمل والاشتراط.

وقد أضاف إليها روايات أخرى لهما، تَتَضَمَّنُ ذِكْرَ تزويج جابر، وسؤالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيَّاه عنه، وذكر دخول الرجل على أهله طُروقًا، ولم يذكر فيها بيع الجمل، فلهذا لم نذكرها نحن ها هنا، وأخَّرْناها لتجيء في كتاب النكاح من حرف النون، وفي كتاب الصحبة من حرف الصاد، إن شاء الله تعالى. والمراد من ذكر هذا الحديث بطوله: ذكر الاشتراط في البيع، ولأجل ذلك أخرجوه، ولهذا السبب لم يخرِّج منه الترمذي وأبو داود إلا ذكر الاشتراط. وهذا لفظ الترمذي: إنَّ جابرًا باع من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا، واشترط ظهره إلى أهله.

وهذا لفظ أبي داود، قال جابر: بِعْتُهُ - يعني بعيره - من النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشترطتُ حُمْلانه إلى أهلي.

وقال في آخره: «تُراني إنما ما كَسْتُكَ لأذهب بجملك؟ خُذْ جملك وثمنَه، فهما لك» .

وحيث كان المقصود من الحديث ذكر الاشتراط، وهو متفق عليه بين البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود، عَلَّمنا عليه علاماتهم الأربع، وإن لم يكن جميع الحديث متفقًا عليه. -[517]- وأخرج النسائي روايات متفرقة نحو هذه الروايات المتقدمة (?) . -[518]-

Sثفال: جمل ثفال، أي: بطيء في سيره.

خلا منها: خلا من المرأة، أي: كبرت وخرجت من حد الشباب.

الناضح: الجمل يستقى عليه الماء ليسقي النخل والزرع وغيره.

فَقَار: الفقار: خَرَز الظهر، يقال: أفقرتك ناقتي، أي: أعرتك فقارها لتركبها.

عروس: العروس: اسم يقع على الرجل والمرأة، إذا دخل أحدهما بالآخر، يقال: رجل عروس، وامرأة عروس.

فنقدني: نقدته كذا، أي: أعطيته نقدًا، وقد ذكر مقدارها في متن الحديث، وكانت يومئذ أربعين درهمًا.

محجن: المحجن: عصًا في طرفها انعقاف كالصولجان ونحوه.

فالكَيْس: الكيس: هو الجماع والعقل، كأنه جعل طلب الولد عَقلاً.

قطوفُ: جمل قطوف: سيء المشي، ضيق الخطوة.

العنزة: شبه العكازة، يكون في طرفها الواحد شبه الحربة. -[519]-

تمتشط الشعثة: الشعثة: المرأة البعيدة العهد بالغسل والتسريح، والامتشاط، تسريح الشعر: يعني: حتى تصلح من شأنها، بحيث إذا قدم عليها بعلها، وجدها متجملة، حسنة الحال.

وتستحد المغيبة: المغِيبَةُ: المرأة التي غاب عنها زوجها، والاستحداد: أخذ الشعر بالموسى وغيرها، وهذا أيضًا كالأول.

أرمل: جمع أرمل: يضرب لونه إلى الكدرة.

لاشية فيه: أي: لا لون فيه يخالف كدرته.

البلاط: ما يُفْرَشُ به الأرض من حجر أو غيره، ثم سمي المكان بلاطًا على المجاز.

صرارًا: بكسر الصاد المهملة، والراءين المهملتين: موضع قريب من المدينة.

جزورًا: الجزور من الإبل: يقع على الذكر والأنثى، والكلمة مؤنثة.

ماكستك: فاعلتك من المكس: وهو انتقاص الثمن، وذكر الزمخشري في كتابه «الفائق» هذا الحديث، وقال: قد روي: «ماكستُك» من المكاس، ومعناه ظاهر، وقال: قد روي «أتُراني أنما كسْتُك» وهو من كايسته فكِسْتُهُ، أي كنت أكيس منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015