جامع الاصول (صفحة 538)

330 - (خ م ط ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُصَرُّوا» .

وفي رواية: «لا تُصَرُّوا الإِبلَ والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرَيْن بعد أن يَحْلِبها، إِن شاء أمْسَكَ، وإنْ شاء رَدَّها وصاعًا من تَمرٍ» . وفي رواية للبخاري قال: «من اشترى غنمًا مُصَرَّاةً فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سَخِطها ففي حَلبتها صاعٌ من تمر» .

وفي أخرى لمسلم قال: «مَنِ اشترى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبَ بِها فَلْيَحْلِبْها، فإِنْ رَضِيَ حلابها أَمسكها، وإِلا رَدَّها ومَعَها صاعٌ من تَمرٍ» . وفي أُخرى له قال: «مَنِ اشترى شاة مصراةً فهو فيها بالخيار ثَلاثَة أيَّامٍ، إِن شاء أمسكها، وإنْ شاء رَدَّها، -[500]- وردَّ معها صاعًا من تَمرٍ» . وفي أخرى له: «ردَّ معها صاعًا من طعامٍ، لا سَمْرَاء» .

وفي أخرى: «مِن تَمرٍ، لا سمراء» . وفي أخرى لهما بزيادةٍ في أوله قال: «لا تُتَلَقَّى الرُّكبان للبيع، ولا يَبِعْ بعضكم على بيع بعض، ولا تَنَاجَشُوا، ولا يَبعْ حاضِرٌ لِبادٍ، ولا تُصَرُّوا الإِبل والغنم ... الحديث» .

أخرج الموطأ هذه الرواية الآخرة.

وأخرجه الترمذي، وأَبو داود، والنسائي بنحو من هذه الطرق، إِلا أَنَّ للنسائي في بعض طرقه: «من ابتاع مُحَفَّلَةً أَو مُصَرَّاةً ... » الحديث.

وفي أخرى له: «إِذا باع أَحدكم الشاة أَو النَّعْجَةَ فلا يُحَفِّلْهَا» (?) .

Sلا تُصَرُّوا: الصَّرُّ: الجَمْعُ والشَّدُّ، وقد تقدم شرحها في متن الحديث، وقال الأزهري: ذكر الشافعي المُصَرَّاة، وفسرها: أنها التي تُصَرُّ أَخْلافُها، ولا تُحْلَبُ أَيَّامًا، حتى يجتمع اللبن في ضرعها، فإذا حلبها المشتري استَغْزَرَها، قال الأزهري: جائز أن يكون سمِّيَت مُصَرَّاةً، من صَرّ أخلافها كما ذكر، إلا أنهم لما اجتمع لهم في الكلمة ثلاث راءات، قُلِبت إحداها ياء، كما قالوا: -[501]- تَظَنَّيْت في تظنَّنْت من الظن، فقلبوا إحدى النونات ياء، قال: وجائز أن يكون سميت مصراة من الصَّري- وهو الجمع- يقال: صَرَيْتُ الماء في الحوض: إذا جمعته، ويقال لذلك الماء: صَريً.

قال أبو عُبَيْدة: المصراة: هي الناقة أو البقرة أو الشاة يُصَرَّى اللبن في ضرعها، أي: يُجْمَعُ ويحبس، فإن كان من الأول، فيكون: «لا تَصُرُّوا» بفتح التاء، وضم الصاد، وإن كان من الثاني، فيكون بضم التاء، وفتح الصاد.

قوله: «لا تصروا الإبل» أي: لا تفعلوا بها ذلك، وإنما نهى عن بيعها وهي كذلك لأنه خداع.

بخير النظرين: هو إمساك المبيع أو ردُّه، أيهما كان خيرًا له فعله.

حِلابها: الحلاب، والمِحْلب: الإناء الذي تحلب فيه الألبان، وإنما أراد به في الحديث: اللبن نفسه.

صاعًا من طعام: قد تقدم تفسيره، والطعام يطلق على ما يقتات به ويؤكل، ويدخل فيه الحنطة، وحيث استثناها، فقد أطلق الصاع في باقي الأطعمة، إلا أنه لم يرد به إلا التمر لأمرين:

أحدهما: أنه كان الغالب على أطعمتهم.

والثاني: أن معظم روايات الحديث إنما جاءت: «وصاعًا من تمر» وفي بعضها قال: «من طعام» ، ألا ترى أنه لما قال: «من طعام» استثنى فقال: «لا سمراء» حتى إن الفقهاء قد ترددوا فيها لو أخرج بدل التمر زبيبًا، أو قوتًا آخر، -[502]- فمنهم من تبع التوقيف، ومنهم من رَآهُ في معناه إجراء له مجرى صدقة الفطر.

وهذا الصاع الذي يرده مع المصراة، فهو بدل عن اللبن الذي كان في الضرع عند العقد، وإنما لم يجب رد عين اللبن أو مثله أو قيمته؛ لأن عين اللبن لا تبقى غالبًا، وإن بقيت فتمتزج بآخر اجتمع في الضرع بعد جريان العقد إلى تمام الحلب.

وأما المثلية؛ فلأن القدر إذا لم يكن معلومًا بمعيار الشرع كانت المقابلة من باب الربا، وإنما قدِّر من التمر، لا من جنس النقد؛ لفقد النقد عندهم غالبًا؛ ولأن التمر يشارك اللبن في المالية، وكونه قوتًا، وهو قريب منه، إذ يؤكل معه في بلادهم.

ولفهم هذا المعنى نصَّ الشافعي - رحمه الله - على أنه لو ردَّ الشاة المصراة بعيب آخر سوى التصرية، ردَّ معها صاعًا من التمر لأجل اللبن.

تلقي الركبان: قد تقدم تفسيره في الباب.

وصورة ما نهي عنه: أن يستقبل الركبان، ويكذب في سعر البلد، ويشتري بأقل من ثمن المثل، وذلك تغرير محرم، ولكن الشراء منعقد، ثم إن كذب وظهر الغبن، ثبت الخيار للبائع، وإن صدق، ففيه وجهان، على مذهب الشافعي.

لا يبع بعضكم على بيع بعض: قال في موضع آخر: «لا يبع بعضكم على بيع أخيه» والمعنى فيهما واحد، وفيه قولان:

أحدهما: أن يشتري الرجل السلعة ويتم البيع، ولم يفترق المتبايعان عن -[503]- مقامهما ذلك، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض رجلٌ آخر سلعةً أخرى على ذلك المشتري، تشبه السلعة التي اشتراها ليبيعها له، لما في ذلك من الإفساد على البائع الأول، إذ لعله يرد للمشتري التي اشتراها أولاً، ويميل إلى هذه، وهما وإن كان لهما الخيار ما لم يتفرقا على هذا المذهب، فهو نوع من الإفساد.

والقول الثاني: أن يكون المتبايعان يتساومان في السلعة، ويتقارب الانعقاد، ولم يبق إلا اشتراط النقد أو نحوه، فيجيء رجل آخر يريد أن يشتري تلك السلعة، ويخرجها من يد المشتري الأول، فذلك ممنوع عند المقاربة، لما فيه من الإفساد، ومباح أول العرض والمساومة.

هذا تأويل أصحاب الغريب، وهو تأويل الفقهاء، إلا أن لفظ الفقهاء هذا:

قالوا: إذا كان المتعاقدان في مجلس العقد، فطلب طالب السلعة بأكثر من الثمن ليرِّغب البائع في فسخ العقد، فهذا هو البيع على بيع الغير، وهو محرَّم لأنه إضرار بالغير؛ ولكنه منعقد؛ لأن نفس البيع غير مقصود بالنهي، فإنه لا خلل فيه، وكذلك إذا رغب المشتري في الفسخ بعرض سلعة أجود منها بمثل ثمنها، أو مثلها بدون ذلك الثمن، فإنه مثله في النهي.

وأما السوم على سوم أخيك: فأن تطلب السلعة بزيادة على ما استقر الأمر عليه بين المتساومين قبل البيع، وإنما يحرم على من بلغه الخبر فإن تحريمه خفي، قد لا يعرفه. -[504]-

لا تناجشوا: النجش في الأصل: المدح والإطراء، والمراد به في الحديث الذي ورد النهي عنه: أنه يمدح السلعة، ويزيد فيها وهو لا يريدها ليسمعه غيره فيزيده، وهذا خداع محرم، ولكن العقد صحيح من العاقدين، والآثم غيرهما.

وقيل: هو تنفير الناس عن الشيء إلى غيره.

والأصل فيه: تنفير الوحش من مكان إلى مكان، والأول هو الصحيح، وهو تأويل الفقهاء وأهل العلم.

حاضر لباد: الحاضر: المقيم في المدن والقرى، والبادي: المقيم بالبادية، والمنهي عنه: هو أن يأتيَ البدوي البلدة، ومعه قوت يبغي التسارع إلى بيعه رخيصًا، فيقول له الحاضر: اتركه عندي لأغالي في بيعه، فهذا الصنيع محرم لما فيه من الإضرار بالغير، والبيع إذا جرى مع المغالاة منعقد، فهذا إذا كانت السلعة مما تعم الحاجة إليها، فإن كانت سلعة لا تعم الحاجة إليها، أو كثر بالبلد القوت، واستغني عنه، ففي التحريم تردد. يعوَّل في أحدهما على عموم ظاهر النهي وحَسم باب الضرر. وفي الثاني: على معنى الضرر، وقد جاء في بعض الأحاديث عن ابن عباس: أنه سئل عن معنى: لا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارًا.

مُحَفَّلة: الناقة أو البقرة أو الشاة لا يحلبها صاحبها أيَّامًا حتى يجتمع لبنها في ضرعها، فإذا حلبها المشتري حسبها غزيرة فزاد في ثمنها، فإذا -[505]- حلبها بعد ذلك نقص لبنها عن الحالة الأولى، والمحفلة: هي المصراة، وقد تقدم شرحها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015