67 - (د ت) قال عبد الرَّحمن بن عمرو السُّلَميّ وحُجْر بن حُجْر: أَتينَا العِرباضَ بْنَ ساريةَ - رضي الله عنه - وهو ممَّن نَزل فيه: {ولا عَلَى الَّذين إِذَا ما أَتَوْكَ لِتحْمِلَهم قلتَ لا أَجدُ ما أحمِلُكُم عليه} [التوبة: 92] فسلّمنا، وقُلنا: أَتيناكَ زائريْنَ، وعائديْنَ، ومُقْتَبِسَيْن، فقال العرباضُ: صلى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فوعَظَنا موعِظةً بَليغةً، ذَرَفتْ منها العيون، ووَجِلت منها القلوبُ، فقالَ رجل: يا رسولَ الله، كأنَّ هذه موعظةُ مودِّعٍ، فماذا تَعْهدُ إلينا؟ قال: «أُوصيكم بتقْوى الله، والسَّمعِ والطاعة، -[279]- وإنْ عَبْدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيَرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفَاءِ الراشِدينَ المهديِّينَ، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة» . هذه رواية أبي داود. وأخرجه الترمذي، ولم يذكر الصَّلاة، وفي آخِرِه: تقديم وتأخير (?) .
Sمقتبسين: الاقتباس في الأصل: أخْذُ القبَس من النار، وأراد به: الأخذ من العلم والأدب.
ذرفت: العينُ تذرفُ: إذا دَمعت.
وجلت: وَجل القلبُ يَوْجَلُ: إذا خاف وفَزع، والوجل: الفزع.
تعهد: عهد إليه بكذا يعهد: إذا أوصى إليه.
الراشدين: الراشد: اسم فاعل من رشد يَرشَدُ، ورَشَدَ يرْشُدُ رشدًا، وهو خلاف الغي، وأرشدته أنا: إذا هديته.
المهديين: المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق، هداه يهديه فهو مهدي، والله هاديه. -[280]-
وإن عَبْدًا حبشيّاً: أي: أطع صاحب الأمر، واسمع له، وإن كان عبدًا حبشيّاً، فحذف «كان» وهي مرادة.
وَعَضُّوا عليها بالنواجذ: النَّواجِذُ: الأضراس التي بعد الناب، جمع ناجذ، وهذا مثلٌ في شدة الاستمساك بالأمر؛ لأنَّ العَضَّ بالنّواجذ عَضٌّ بمعظم الأسنان التي قبلها والتي بعدها.
الهدي: بفتح الهاء، وسكون الدال: الطريقةُ والسيرةُ.
محدثات الأمور: ما لم يكن معروفًا في كتاب، ولا سنة، ولا إجماع.
بدعة: الابتداع: إذا كان من الله وحده فهو إخراجُ الشيء من العدم إلى الوجود، وهو تكوين الأشياء بعد أن لم تكن، وليس ذلك إلا إلى الله تعالى، فأمَّا الابتداع من المخلوقين، فإن كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله، فهو في حَيِّز الذمِّ والإنكار، وإن كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه، وحضَّ عليه أو رسوله، فهو في حيِّز المدح، وإن لم يكن مثاله موجودًا، كنوعٍ من الجود والسخاء، وفعل المعروف، فهذا فعل من الأعمال المحمودة لم يكن الفاعل قد سُبق إليه؛ ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَرَدَ الشرع به؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد جعل له في ذلك ثوابًا فقال: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسَنَة، كان له أجرُها وأجرُ من عمل بها» وقال في ضده: «من سَنَّ سُنَّةً سيئة، كان عليه وِزرُها ووزرُ من عمل بها (?) » .
وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله، ويعضد ذلك قول -[281]- عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- في صلاة التراويح: «نِعْمتِ البدعة هذه» لما كانت من أفعال الخير، وداخلةً في حيِّز المدح، سمَّاها بدعة ومدحها، وهي وإن كان النبيٍّ - صلى الله عليه وسلم - قد صلاها - إلا أنه تركها، ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس عليها، فمحافظة عمر عليها، وجمعه الناس لها، وندبُهُم إليها بدعة، لكنها بدعةٌ محمودة ممدوحة.