وهرولتهما فى أَضْعَاف ذَلِك لاعتمادها على وَجه الأَرْض وهى تعدل من ميل المفلوج وتقيم من ارتعاش المحموم ويتخذها الراعى لغنمه وكل رَاكب لمركبه وَيدخل الرجل عَصَاهُ فى عُرْوَة المزود ويمسك بِيَدِهِ الطّرف الآخر وَرُبمَا كَانَ أحد طرفيها فِي يَد رجل والطرف الآخر فِي يَد صَاحبهَا وَعَلَيْهَا حمل ثقيل وَتَكون إِن شِئْت وتدا فِي حَائِط وَإِن شِئْت ركزتها فِي الفضاء قبْلَة وَإِن شِئْت جَعلتهَا مظلة وَإِن شِئْت جعلت فِيهَا زجا فَكَانَت عنزة وَإِن زِدْت فِيهِ فَجَعَلته سِنَانًا كَانَت عكازة وَإِن زِدْت فِيهَا شَيْئا كَانَت مطردا وَإِن زِدْت فِيهَا شَيْئا كَانَت رمحا وَإِن أردْت كَانَت سَوْطًا وسلاحا ومخصرة
وَمِمَّنْ ضرب الْمثل بعصا مُوسَى فَأحْسن وأبدع ابْن الرومى حَيْثُ قَالَ
(مديحى عَصا مُوسَى وَذَلِكَ أننى ... ضربت بِهِ بَحر الندى فتضحضحا)
(فياليت شعرى إِن ضربت بِهِ الصَّفَا ... أيبعث لى مِنْهُ جداول سيحا)
(كتلك الَّتِى أندت ثرى الأَرْض يَابسا ... وأبدت عيُونا فى الْحِجَارَة سفحا)
(سأمدح بعض الباخلين لَعَلَّه ... إِن اطرد المقياس أَن يتسمحا)
وَلَو لم يفترع غير هَذَا الْمَعْنى الْبكر لَكَانَ أشعر النَّاس إِذْ شبه مديحه بعصا مُوسَى الَّتِى ضرب بهَا الْبَحْر فيبس وَضرب بهَا الْحجر فانبجس وَذَلِكَ ان ابْن الرومى مدح جوادا فبخل فَقَالَ سأمدح بَخِيلًا فَلَعَلَّهُ أَن يجود على هَذَا الْقيَاس
وَمن مليح مَا قيل فى عَصا مُوسَى قَول أَبى الطّيب الشعيرى من أهل الشَّام
(قل لمن يحمل الْعَصَا ... حَيْثُ أَمْسَى وأصبحا)