طوال الْأَيَّام وقصارها وصيفها وشتائها وَكَانَ مَعَ ذَلِك لَا يُحَرك لَهُ يدا وَلَا عضوا وَلَا يُشِير بِرَأْسِهِ وَلَيْسَ إِلَّا أَن يتَكَلَّم ثمَّ يوجز ويبلغ باليسير من الْكَلَام إِلَى الْمعَانى الْكَثِيرَة فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم فى مَجْلِسه وَأَصْحَابه حواليه والسماط بَين يَدَيْهِ إِذْ سقط على أَنفه ذُبَاب فَأطَال الْمكْث ثمَّ تحول إِلَى مؤق عينه فرام الصَّبْر فى سُقُوطه على المؤق وصبر على عضته ونفاذ خرطومه كَمَا رام الصَّبْر على سُقُوطه على أَنفه من غير أَن يُحَرك أرنبته أَو بعض وَجهه اَوْ يذب بأصابعه فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ من الذُّبَاب وشغله وأوجعه وَأحرقهُ وَقصد مَكَانا لَا يحْتَمل التغافل أطبق جفْنه الْأَعْلَى على جفْنه الْأَسْفَل فَلم ينْهض فَدَعَاهُ ذَلِك إِلَى أَن والى بَين الإطباق وَالْفَتْح فَتنحّى فَلَمَّا سكن جفْنه عَاد إِلَى مؤقه بأشد من مرته الأولى فَغمسَ خرطومه فى مَكَان كَانَ قد آذاه فِيهِ قبل ذَلِك وَكَانَ احْتِمَاله أقل وعجزه عَن الصَّبْر على الثَّانِيَة أقوى فحرك أجفانه وَزَاد فى شدَّة الْحَرَكَة وفى فتح الْعين ومتابعة الْفَتْح والإطباق فَتنحّى عَنهُ بِقدر مَا سكنت حركته ثمَّ عَاد إِلَى مَوْضِعه فَمَا زَالَ يلح عَلَيْهِ حَتَّى استفرغ صبره وَبلغ مجهوده فَلم يجد بدا من أَن يذب عَن عينه بِيَدِهِ فَفعل وعيون الْقَوْم ترمقه وَكَأَنَّهُم لَا يرونه فَتنحّى عَنهُ بِقدر مَا سكنت حركته ثمَّ عَاد إِلَى مَوْضِعه فألجأه إِلَى أَن ذب على وَجهه بِطرف كمه ثمَّ أَلْجَأَهُ إِلَى أَن تَابع ذَلِك وَعلم أَنه كَانَ بِعَين من حضر من أمنائه وجلسائه فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهِ قَالُوا نشْهد أَن الذُّبَاب ألج من الخنفساء وأزهى من الْغُرَاب قَالَ اسْتغْفر الله فَمَا أَكثر من أَعْجَبته نَفسه فَأَرَادَ الله أَن يعرفهُ من ضعفه مَا كَانَ مَسْتُورا عَنهُ قد علمْتُم أَنى