ومن آفاتهم النظر إلى المرء قبل النظر في قوله، يقولون: (مَنْ فلان حتى يعلّمنا؟) أو (أوليس هذا الذي أخطأ في مسألة كذا وكذا) فيعممون خطأه في مسألة على كل ما يقوله من صواب، فلا يستمعون إلى حجته ولا يريدون حقاً من ورائه.

وهذه النظرة الفوقية الاستعلائية تقصم ظهر صاحبها قبل الآخرين، فمن الخاسر سواه وهو يَصدُّ الناس عن الحق ويتجنبه هو في نفسه لا لشيء إلا لعصبية جاهلية ملأ بها دماغه.

والأَولى بالمرء أن يطلب الحق حيث كان، وأن لا يحجبه عن الحق كونه قد أتى من خصمه.

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: (فانظر إلى مناظري زمانك، كيف يسودّ وجه أحدهم إذا اتضح الحق على لسان خصمه، وكيف يخجل به، وكيف يجتهد في مجاحدته بأقصى قدرته وكيف يذم من أفحمه طول عمره) وإنما ينبغي في المحاور (أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرّق بين أن تظهر على يده أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً ويشكره إذا عرّفه الخطأ وأظهر له الحق ..) (?)

ولله در الإمام مالك بن أنس إذ يقول: (ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف) (?).

نعم والله .. إنها أزمة الإنصاف.

والإمام مالك هاهنا يتحدث عن زمانه الذي انتشر فيه العلم وسادت الفضيلة فكيف بزماننا وقد قلّّ العلماء واتخذ الناس رؤوساً جهالاً فضلوا وأضلوا، وعمّ الفساد وبيعت الذمم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015