فقال: ((مَا يُبكِيكِ؟)) قلتُ: لَوَدِدْتُ والله أنِّي لمْ أَحُجَّ العامَ، قالَ: ((لَعَلَّكِ نُفِستِ)) قلتُ: نَعمْ، قالَ: ((فإنَّ ذلكَ شيءٌ كَتَبَهُ اللهُ على بناتِ آدَمَ، فَافْعلِي ما يفعلُ الحَاجُّ، غيرَ أن لا تَطُوفي بالبيتِ حتَّى تَطْهُرِي)) [متفقٌ عليه] .
وعن عائشَةَ أيضًا قالتْ: قال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ناوِليني الخُمرَةَ من المسجِ؟)) قالتْ: فقلتُ: إنِّي حائضٌ، فقال: ((إنَّ حيضَتَكِ ليستْ في ِيَدِكِ)) [أخرجه مسلمٌ] .
وليس يُعارضُ هَذا شيءٌ يثبُتُ.
الموتُ تَنعدِمُ فيهِ الأهليَّتانِ: أهليَّةُ الوجوبِ، وأهليَّةُ الأداءِ.
لكِنْ هلْ يبقى شيءٌ يُطالبُ بهِ المَيِّتُ يمكِنُ أداؤُهُ عنهُ؟
نَعَمْ، دلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ على بقاءِ الدَّينِ حقًّا يُطالبُ به الميِّتُ لا يبْرأُ منهُ إلاَّ بأدَائِهِ عنهُ، ولِذا لا يُقسَمُ ميراثُهُ ويصيرُ إلى ورثتِهِ إلاَّ بعْدَ استيفاءِ ديونِهِ منهُ، كما قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وكذا يصحُّ تحمُّلُهُ عنهُ من قِبلِ غيرِهِ فتسقُطُ عنهُ بهِ المُؤاخَذَةُ، كما ثبتَ في السُّنَّةِ عن سلَمَةَ بنِ الأكوَعِ رضي الله عنهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتيَ بجنَازَةٍ ليُصلِّيَ عليها، فقالَ: ((هلْ عليهِ مِنْ دَينٍ؟)) قالوا: لا، فصلَّى عليه، ثمَّ أُتي بِجنَازَةٍ أخرَى فقالَ: ((هلْ عليهِ منْ دينٍ؟))