لكنْ هلْ يُعفى المكلَّف بالجهلِ مع إمكانِ العِلمِ أم يُؤاخَذُ؟ الجوابُ: أنَّهُ يأثَمُ بالتَّفريطِ في طلبِ العِلمِ معَ القُدرَةِ عليهِ وذلكَ من حيثُ الجُملَةُ لا بخصُوصِ جَهلِهِ بِحُكمٍ معيَّنٍ، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
ومن الأصوليِّينَ من فرَّق بين الجهلِ بالأحكامِ لمن يعيشُ في بلادٍ إسلاميَّةٍ، ومن يعيشُ في بلادٍ غير إسلاميَّة، وليس التَّفريقُ بظاهرٍ في الأدلَّةِ، فإنَّ الجهلَ واردٌ على أيِّ حالٍ، لكنَّ الَّذي يقعُ في دارِ الإسلامِ أنَّ المعلومَ من الدِّين بالضَّرورةِ لا يخفى والحُجَّةُ به قائمةٌ، فلوْ زَنَى رجلٌ من المسلمينَ وقدْ تربَّى في الإسلامِ وبينَ أهلِهِ وادَّعى أنَّهُ لا يعلمُ حُرمَةَ الزِّنا لما كان عُذرًا يحولُ بينهُ وبين العُقوبَةِ، لأنَّ الحُجَّةَ ظاهرةٌ في مثلِ ذلكَ، وقولهُ محمولٌ على الكذبِ، إلاَّ أن يكونَ في بيئةٍ ذَهَبَتْ عنها معالمُ الدِّينِ وليسَ فيها من الإسلامِ إلاَّ اسمُهُ، فهَذه دارٌ أشَهُ بدَارِ الكُفرِ وإن بقيَ لأهلِهَا اسمُ الإسلامِ.
والأقربُ في هذا أن يعودَ الأمرُ إلى أن يُقدِّرَ كلُّ ظرفٍ بما يُناسبُهُ، والعُمدَةُ فيهِ على بُلوغِ الحجَّةِ، أمَّاا لجهلُ ذاتُهُ فهوَ مانعٌ من التَّكليفِ.
2ـ أن يكونَ مقدورًا للمكلَّف.
أيْ: يمكِنُ وقوعُ امتثالهِ لهُ، ليسَ خارِجًاعن طاقتِهِ وقُدرتِهِ، وهذا حاصلٌ في جميعِ تكاليفِ الإسلامِ، فليسَ فيها فعلٌ يستحيلُ امتثالُهُ.