مثالُهُ: لو ادَّعى إنسانٌ أنَّ شخصًا اعتدَى عليهِ، فالأصلُ أنَّ الشَّخصَ المُدَّعى عليه بريءٌ من ذلكَ الادِّعاءِ، حتَّى يُبرهِنَ المدَّعي على صحَّةِ دعواهُ.
وفي (الصَّحيحينِ) من حديثِ عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهمَا: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((لَوْ يُعطَى النَّاسُ بِدعواهُم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رجالٍ وأموالَهُمْ)) .
والشَّريعةُ قدْ جاءَتْ بمُراعَاةِ هذا الأصلِ، فلمْ تؤاخذ الجَاهلَ بتكاليفِ الإسلامِ، لأنَّ الأصلَ عدمُ العلمِ، وعدَمُ العلمِ يُسقِطُ التَّكليفَ، فتسقطُ المُؤاخذة، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ، وقال بعدَما حرَّم الرِّبا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] ، فاعتبرَ الذِّمَّة بريئةً من المؤَاخَذة قِبل تحريمِ الرِّبا، مسؤُلَةً بعدهُ إلى أمثلةٍ أُخرى يطُولُ استقصاؤُهَا.
ومِن هذا الإستِدلالُ بِعدَمِ وُجودِ ما يَدُلُّ على الحُكمِ على عَدَمِ الحُكمِ، وهذا يحتاجُ إلى استِقراءِ أدلَّةِ الشَّرعِ فيما يغلبُ على ظنِّ الفقيهِ أنَّ المسألَةَ لو كانَ لها أصلٌ فهيَ واردَةٌ في كذا وكذا، فحيثُ لا يجدُ الدَّليلَ المُغيِّرَ لذلكَ العَدَمِ، فهوَ باقٍ في تلكَ المسألَةِ على العَدَمِ.