والمال والأمور العمومية والخصوصية شيء كثير، فقوله: {تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] أي: من الذنوب ومن الأخلاق الرذيلة، فإن من أعظم الذنوب وأكبرها منع الزكاة، وأيضا إعطاؤها سبب لمغفرة ذنوب أخرى، فإنها من أكبر الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
ومن أشنع الأخلاق الرذيلة البخل، والزكاة تطهره من هذا الخلق الرذيل، ويتصف صاحبها بالرحمة والإحسان، والشفقة على الخلق، وتطهر المال من الأوساخ والآفات، فإن للأموال آفات مثل آفات الأبدان، وأعظم آفاتها أن تخالطها الأموال المحرمة؛ فهي للأموال مثل الجرب تسحته، وتحل به النكبات والنوائب المزعجة، فإخراج الزكاة تطهير له من هذه الآفة المانعة له من البركة والنماء، فيستعد بذلك للنماء والبركة، وتوجيهه للأمور النافعة، وأما قوله: {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فالزكاة هي النماء والزيادة، فهي تنمي المؤتي للزكاة، تنمي أخلاقه، وتحل البركة في أعماله، ويزداد بالزكاة ترقيا في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم؛ وتنمي المال بزوال ما به ضرره وحصول ما فيه خيره، وتحل فيه البركة من الله.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال» ، بل تزيده، وتنمي أيضا المخرج إليه فتسد حاجته، وتقوم المصلحة الدينية التي تصرف فيها الزكاة كالجهاد والعلم والإصلاح بين الناس والتأليف ونحوها، وأيضا تدفع عادية الفقر والفقراء، فإن أرباب الأموال إذا احتكروها واحتجزوها، ولم يؤدوا منها شيئا للفقراء، اضطر الفقراء وهم جمهور الخلق وثاروا بالشر والفساد على أرباب الأموال، وبهذا ونحوه تسلطت البلاشفة على الخلق؛ فالقيام بالدين الإسلامي على وجهه بعقائده وحقائقه وأخلاقه وأداء حقوقه هو السد المانع شرعا وقدرا لهذه الطائفة التي بها فساد الأديان