يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها؛ وتجد عندهم آذانا سامعة، وقلوبا واعية، فيزداد بها إيمانهم، ويتم بها يقينهم، وتحدث لهم فرحا ونشاطا واغتباطا، لما يعلمون أنها أفضل المنن الواصلة إليهم من ربهم.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} [الفرقان: 74] أي: قرنائنا من أصحاب وأخلاء وأقران وزوجات، {وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] أي: تقر بهم أعيننا، وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من علو هممهم ومراتبهم أن مقصودهم بهذا الدعاء لذرياتهم أن يطلبوا منه صلاحهم؛ فإن صلاح الذرية عائد إليهم وإلى والديهم؛ لأن النفع يعود على الجميع، بل صلاحهم يعود إلى نفع المسلمين عموما؛ لأن بصلاح المذكورين صلاحا لكل من له تعلق بهم، ثم يتسلسل الصلاح والخير.
{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدي بأقوالهم وأفعالهم، ويطمأن إليها لثقة المتقين بعلمهم ودينهم، ويهتدي المهتدون بهم، ومن المعلوم أن الدعاء بحصول شيء دعاء به، وبما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة درجة الإمامة في الدين التي لا تتم إلا بالصبر واليقين.
كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] فهذا الدعاء يستلزم من حصول الأعمال الصالحة، والصبر على طاعة الله، وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة، ومن العلم النافع التام الراسخ الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا.
ولما كانت هممهم وأعمالهم عالية كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم من