فقد دلت النصوص القرآنية وتواترت الأحاديث النبوية أن جميع المؤمنين وإن دخلوا النار فسيخرجون منها، ولا يخلد فيها مؤمن، فإن الإيمان الكامل يمنع من دخولها، ومطلق الإيمان ولو مثقال ذرة يمنع من الخلود فيها كما تقدم.
ونص الله على ثلاثة هذه الأشياء لأنها أكبر الكبائر، وفسادها كبير، فالشرك فيه فساد الأديان بالكلية، والقتل فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال، وندم على فعلها، وعزم عزما جازما أن لا يعود، {وَآمَنَ} [الفرقان: 70] بالله إيمانا صحيحا يقتضي فعل الواجبات، وترك المحرمات، {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] فيدخل فيه جميع الصالحات من واجب ومستحب.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] بأن يوفقهم للخير، فتبدل أقوالهم وأفعالهم التي كانت مستعدة لفعل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا، ومعصيتهم طاعة، وتتبدل نفس السيئات التي عملوها، ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وندما وإنابة وطاعة، تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية، وورد فيه حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه، فعددها عليه؛ ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة إلى آخر الحديث.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [الفرقان: 70] لمن تاب، يغفر ذنوبه كلها، {رَحِيمًا} [الفرقان: 70] بعباده إذ دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم؛ ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم، {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] أي: فليعلم أن توبته في غاية الكمال؛ لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله،