هل الإقدام خير أم الإحجام؟ لأن المتثبت لا بد أن يعمل فكره ويشاور في الأمور التي عليه أن يتثبت فيها؛ والفكر والمشاورة اكبر الأسباب لإصابة الصواب والسلامة من التبعة، ومن الندم الصادر من العجلة، ومن عدم استدراك الفارط، ولهذا قال:
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] أي: لا بد أن تسأل عن حركة هذه الجوارح، وهل هي حركات نافعة بأن وضعت فيما يقرب إلى الله، أم ضارة بأن وجهت إلى معصية الله؟ فليتعاهد العبد بحفظها عن الأمور الضارة ليعد لهذا السؤال جوابا، فمن استعملها بطاعة الله فقد زكاها ونماها، وأثمرت له النعيم المقيم، ومن استعملها في ضد ذلك فقد دساها وأسقطها وأوصلته إلى العذاب الأليم.
وقوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 37] أي: لا تتكبر على الحق، ولا على الخلق، فإن التكبر من أرذل الأخلاق، والمتكبر المعجب بنفسه لن يبلغ ما يظنه وتطمح له نفسه من الخيالات الفاسدة أنه في مقام رفيع على الخلق، بل هو ممقوت عند الله وعند خلقه، مبغوض محتقر قد نزل بخلقه هذا إلى أسفل سافلين، ففاته مطلوبه من كبره وعجبه، وحصل على نقيضه، ومن مضار الكبر أنه صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» ، والنار مثوى المتكبرين، والكبر هو بطر الحق، وغمط الناس، أي: احتقارهم وازدراؤهم، وهذه الأوامر الحسنة والإرشادات في هذه الآيات من الحكمة العالية التي أوحاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ وهي من أعظم محاسن الدين، فالدين هو دين الحكمة التي هي معرفة الصواب والعمل بالصواب، ومعرفة الحق والعمل بالحق في كل شيء.