هي التي منعت أكثر الخلق من الوقوف على حقيقته.
ثم انظر إلى الأصل الثالث، وهو إثبات المعاد والجزاء كيف اتفقت الكتب السماوية والرسل العظام وأتباعهم على اختلاف طبقاتهم، وتباين أقطارهم وأزمانهم وأحوالهم على الإيمان به والاعتراف التام به؟ وكم أقام الله عليه من الأدلة النقلية والعقلية، وكذلك الحسية المشاهدة ما يدل أكبر دلالة عليه، وكم أشهد عباده في هذه الدار أنموذجا من الثواب والعقاب، وأراهم حلول المثلات بالمكذبين، وأنواع العقوبات الدنيوية بالمجرمين، كما أراهم نجاة الرسل ومن تبعهم من المؤمنين، وإكرامهم في الدنيا قبل الآخرة، وكم أبطل الله كل شبهة يقدح بها المكذبون بالمعاد، كما أقام الأدلة على إبطال الشبه الموجهة من المكذبين إلى توحيده وصدق رسله، وبين سفههم وفساد عقولهم، وأنه ليس لهم من المستندات على إنكار ذلك إلا استبعادات مجردة، وقياس قدرة رب العالمين على قدر المخلوقين.
والمقصود أن هذه الأصول العظيمة قد قامت البراهين القواطع عليها من كل وجه وبكل اعتبار، وجميع الحقائق الصحيحة غيرها لم يقم على ثبوتها وعلمها عشر معشار ما قام على هذه الأصول من البراهين المتنوعة، ففي هذا دليل على أن كل من أثبت معلوما أو حقيقة من الحقائق بطريق عقلي أو خبري أو حسي، ثم نفى مع ذلك واحدا من هذه الأصول الثلاثة التي هي أساس الدين، فقد كابر عقله وحسه وعلمه، ونادى على نفسه بالتناقض العظيم؛ لأن الطرق التي دلته على إثبات معلوماته هي - وأضعافها وأضعاف أضعافها، وما هو أقوى منها وأوضح - قد دلت على التوحيد والرسالة والمعاد.
واعلم أن المعلومات بخبر الله وخبر رسله عامة يدخل فيها الإخبار