وأن ما ناقضه ونافاه فهو باطل بلا ريب مبني على جهالات ومواد فاسدة، فانظر إلى أصول الدين وقواعده وأسسه كيف اتفقت عليها الأدلة النقلية والعقلية والحسية؟ انظر إلى توحيد الله ووجوب تفرده وإفراده بالوحدانية، وتوحده بصفات الكمال، كيف كانت الكتب السماوية مشحونة منها؟ بل هي المقصود الأعظم منها، وخصوصا القرآن الذي هو من أوله إلى آخره يقرر هذا الأصل الذي هو أكبر الأصول وأعظمها.
وانظر كيف اتفقت جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وخصوصا إمامهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم على تقرير توحيد الله وتفرده بالوحدانية، وسعة الصفات وعظمتها: من سعة العلم والحكمة، وعموم القدرة والإرادة، وشمول الحمد والملك والمجد والجلال والجمال والحسن، والإحسان في أسمائه وصفاته وأفعاله؟ ثم انظر إلى هذا الأصل العظيم في قلوب سادات الخلق أولي الألباب الكاملة والعقول التامة كيف تجده أعظم من كل شيء، وأقوى وأكبر من كل شيء، وأوضح من كل شيء، وأنه مقدم عندهم على الحقائق كلها، وأنهم يعلمونه علما ضروريا بديهيا قبل الأدلة النظرية، ويعلمون أن كل ما عارضه فهو أبطل الباطل؟ ثم انظر إلى كثرة البراهين المنقولة والمعقولة والمحسوسة الشاهدة لله بالوحدانية.
ففي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
فوجود جميع الأشياء في العالم العلوي والسفلي وبقاؤها وما هي عليه من الأوصاف المتنوعة، كل ذلك من الأدلة والبراهين على وجود مبدعها ومعدها وممدها بكل ما تحتاج إليه، ومن أنكر هذا فقد باهت وكابر وأنكر أجلى الأمور وأعظم الحقائق.