تنال إلا بالأسباب النافعة، خصوصا العلوم النافعة، وما يتفرّع عنها من الأخلاق والأعمال؛ فلهذا عرف يعقوب أن وصول يوسف إلى تلك الحالة التي يخضع له فيها أبوه وأمه وإخوته مقام عظيم، ومرتبة عالية، وأنه لا بد أن ييسر الله ليوسف من الوسائل ما يوصله إليها، ولهذا قال: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف: 6]
ومنها: أن العدل مطلوب في جميع الأمور الصغار والكبار في معاملة السلطان لرعيته، ومعاملة الوالدين للأولاد، والقيام بحقوق الزوجات، وغير ذلك في المحبة والإيثار ونحوها، وأن القيام بالعدل في ذلك تستقيم الأمور صغارها وكبارها به، ويحصل للعبد ما أحب، وفي الإخلال بذلك تفسد الأحوال، ويحصل للعبد المكروه من حيث لا يشعر؛ لهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة، وجعل وجهه له جرى منهم على أبيهم وأخيهم من المكروه ما جرى.
ومنها: الحذر من شؤم الذنوب، فكم من ذنب واحد استتبع ذنوبا كثيرة، وتسلسل الشر المؤسس على الذنب الأول، وانظر إلى جرم إخوة يوسف، فإنهم أرادوا التفريق بينه وبين أبيه الذي هو من أعظم الجرائم، احتالوا على ذلك بعدة حيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه، وفي صفة حالهم حين أتوا عشاء يبكون، ولا بد أن الكلام في هذه القضية تسلسل وتشعب، بل ربما أنه اتصل إلى الاجتماع بيوسف، وكلما بحث في هذا الموضوع فهو بحث كذب وزور مع استمرار أثر المصيبة على يعقوب، بل وعلى يوسف، فليحذر العبد من الذنوب، خصوصا الذنوب المتسلسلة، وضد ذلك بعض الطاعات تكون طاعة واحدة، ولكن يتسلسل نفعها وبركتها حتى تستتبع طاعات من الفاعل