لما رآه مستقرا عنده حمد الله على ذلك، فقال:
{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]
ثم خاطب من حوله: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: 41] أي: غيروا فيه وزيدوا وأنقصوا، {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 41]
وكان قد مُدح له رأيها وعقلها، فأحبَّ أن يقف على الحقيقة، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42]
وعرض عليها، فلما رأته عرفته، ورأت ما فيه من التنكير، فأنكرته فقالت مرددة للاحتمالين: {كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل: 42]
لم تقل: هو؛ لما فيه من التغيير، ولم تنف أنه هو؛ لما كانت تعرفه، فأتت بلفظ صالح للأمرين، فعرف سليمان رجاحة عقلها.
{وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [النمل: 42]
إن كان هذا من كلام سليمان فمعناه إننا أُخبرنا عن عقلها، وعلمنا بذلك قبل هذه الحالة فتحققناها لما سبرناها، وإن كان الكلام كلام ملكة سبأ، فإنها تقول: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} [النمل: 42] عن ملك سليمان، وأنه ملك نبوة ورسالة وقوة هائلة من قبل هذه الحالة، {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [النمل: 42] مذعنين لما قاله سليمان بعدما تحققنا أمره، فكأنه قيل: مع عقلها هذا ورأيها السديد فكيف كانت تعبد غير الله؟ وكيف اجتمع العقل وعبادة من لا ينفع ولا يضر، وإنما يضر من عبده؟
حاصل الجواب قوله:
{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل: 43]