الحكم بين الناس بالحق والقسط، هو الحكم بما أنزل الله، وهو الرد إلى الله ورسوله؛ فإن هذه الآيات يصدق بعضها بعضا؛ وتدل على أن الحق والعدل لا يخرج عما جاء به الرسول، وأن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام على الإطلاق، أي: أعدلها وأقومها وأصلحها وأحسمها للشرور، وأعظم أحكام توسل بها إلى تحصيل درء المفاسد، وأن رد مسائل النزاع والاختلافات الدينية والدنيوية إلى الله والرسول خير في الحال وأحسن عاقبة، وأن كلمات الله تمت وكملت من كل وجه صدقا في إخبارها، عدلا في أحكامها وأوامرها ونواهيها، فكل مسألة خارجة عن العدل إلى الظلم، وعن الصلاح إلى الفساد، فليست من الشرع، وقد جاء شرع الله محكم الأصول والفروع، موافقا للمعقول الصحيح والاعتبار والميزان العادل.
وقد حكم الله ورسوله بأحكام متنوعة متفرعة عن هذا الأصل العظيم، وتفصيل لمجمله، فحكم الله بأن إقرار من عليه الحق معتبر في القليل والكثير كما تقدم التنبيه عليه في آية الدَّيْن.
وحكم بأن البينة على المدعي لإثبات حق، أو المدعي براءة الذمة من الحقوق الثابتة، وأن اليمين على من أنكر، وهاتان القاعدتان عليهما مدار جمهور القضايا، اعتبار إقرار من عليه الحق إذا كان جايز التصرف، وتكليف المدعين كلهم بالبينات.
والبيعة شرعا اسم جامع لكل ما بين الحق، والبيان مراتب، بعضها يصل إلى درجة اليقين، وبعضها كالقرائن، وشواهد الأحوال توصل إلى غلبة الظن، والترجيحات كثيرة جدا.
وعند تساوي الترجيحات ومقادير الأشياء وكمياتها بالتوسط بينها، إما بقسمتها متساوية وجعل الزيادة والنقص بحسب ذلك، وإلا بالقرعة