وبخس المكاييل والموازين وبخس الحقوق أخذا وإعطاء، بأن يأخذ أكثر مما له، أو يعطي أقل مما عليه، فهذا من أعظم المحرمات، وقد توعد الله عليه بالعقوبات في الدنيا والآخرة، وأهلك أمة عظيمة بسبب هذه المعاملة الخبيثة، وهذه المعاملات المحرمة تدخل في قوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] كما يدخل فيه الغضب والسرقة ونحوهما.
وفي آية الدين من الفوائد سوى ما تقدم: الأمر بكتابة المعاملات، والإشهاد عليها، وأن يكون الكاتب عدلا عارفا بالكتابة وبما ينبغي أن يكتب؛ وهذا الأمر للندب والاستحباب عند جمهور العلماء، إلا إذا وجب حفظ المال، وكان على دين مؤجل أو غير مقبوض، فإنه لا يتم حفظه إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وفيها أن الكاتب لا يكتب إلا ما أملاه من عليه الحق إن كان رشيدا، ووليه إن كان عاجزا ضعيفا كالمجنون والصغير والسفيه، وأن على صاحب الحق أن يقر بالحق كله من غير بخس، أي: نقص لعدده أو صفته.
وتدل الآية أن الإقرار من أعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق في الذمم، كما يثبت فيها براءة الذمم المشتغلة بالحقوق إذا أقر من له الحق بالإقباض أو الإبراء المعتبر، وأنه لا يعذر من أقر لو ادعى الغلط أو الكذب ونحوه.
وفيها الإرشاد إلى حفظ الحقوق بالإشهاد والكتابة والرهن إذا احتيج إليه في سفر أو غيره، وأن نصاب الشهادة في المعاملات كلها من عقود وفسوخ وثبوت وشروط وابراء ونحوها رجلان مرضيان إن أمكن، وإلا فرجل واحد وامرأتان، وثبت في السنة قبول شهادة الواحد مع يمين صاحب الحق.