اشتملت هذه الآيات الكريمات على أحكام جمة وفوائد مهمة، منها أن الأصل في البيوع والمعاملات والتجارات كلها الحل والإطلاق، كما هو صريح هذه الآيات، لا فرق بين تجارة الإدارة التي يديرها التجار بينهم، هذا يأخذ العوض، وهذا يعطي المعوض، ولا بين التجارة في الديون الحال ثمنها، المؤجل مثمنها كالسلم، وبيع السلع بأثمان مؤجلة لعموم قوله: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] ولا بين تجارة التربص والانتظار، بأن يشتري السلع في أوقات رخصها، وينتظر بها الفرص من مواسم وغيرها، ولا بين التجارة بالتصدير والتوريد من محل إلى آخر، ولا بين التجارة والتكسب أفرادا ومشتركين، فكل هذه الأنواع وما يتبعها قد أباحها الشارع وأطلقها لعباده؛ رحمة بهم، وقياما لمصالحهم، ودفعا للأضرار عنهم، وكلها جائزة بما يقترن بها ويتبعها من شروط ووثائق ونحوها إذا سلمت من المحاذير الشرعية التي نبه الله عليها ورسوله، يدخل في هذا العموم جميع أجناس المبيعات وأنواعها وأفرادها من عقارات وحيوانات وأمتعة وأطعمة وأوان وأشربة وأكسية وفرش وغيرها، وكلها لا بد أن تقترن بهذا الشرط الذي ذكره الله، وهو التراضي بين المتعاوضين، الرضا الصادر عن معرفة، وأما السفيه والمجنون ومن لا يعتبر كلامه فوليه يقوم مقامه في معاملاته.
وأعظم المحاذير المانعة من صحة المعاملات: الربا والغرر والظلم.
فالربا الذي حرمه الله ورسوله يدخل فيه ربا الفضل، وهو بيع المكيل بالمكيل من جنسه متفاضلا، وبيع الموزون بالموزون من جنسه متفاضلا، ويشترط في هذا النوع في حله ما شرط الشارع، وهو التماثل بين المبيعين بمعياره الشرعي، مكيلا كان أو موزونا، والقبض للعوضين قبل التفرق، وربا النسيئة: وهو بيع المكيل بالمكيل إلى أجل، أو غير مقبوض - ولو من غير جنسه -