صفوف المتمردين وكشف مخططهم كاملا، وواجه الأحداث بشجاعة فائقة، وكره أن يكون أول من يسل السيف في المسلمين، وآثر أن يفدي الأمة بنفسه, وهذه قمة التفدية والإيثار.

52 - كانت فتنة مقتل عثمان سببا في حدوث كثير من الفتن الأخرى، وألقت بظلالها على أحداث الفتن التي تليها، فتغيرت قلوب الناس، وظهر الكذب وبدأ الخط البياني للانحراف عن الإسلام في عقيدته وشريعته.

53 - إن الظلم والاعتداء على الآخرين بغير حق من أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: 59]. وإن المتتبع لأحوال أولئك الخارجين على عثمان - رضي الله عنه - المعتدين عليه يجد أن الله تعالى لم يمهلهم بل أذلهم وأخزاهم وانتقم منهم، فلم ينجُ منهم أحد.

54 - كان وقع المصيبة على نفوس المسلمين كبيرًا، فذهلت عقولهم وجللهم الحزن، وفاضت مآقيهم بالدموع، ولهجت ألسنتهم بالثناء على عثمان والترحم عليه، وقام حسان بن ثابت - رضي الله عنه - يرثي أمير المؤمنين ويكثر التفجع لمقتله، ويهجو قاتليه بقصائد مبكية حزينة، وحفظها لنا التاريخ ولم تهملها الليالي، ولم تفصلها عنا حواجز الزمن ولا أسوار القرون.

55 - وبعد .. فهذا ما يسره الله لي من جمع وترتيب وتحليل تضمنتها فصول هذا الكتاب (عثمان بن عفان - رضي الله عنه - شخصيته وعصره)، فما كان فيه من صواب فهو محض فضل الله عليَّ فله الحمد والمنة، وما كان فيه من خطأ فأستغفر الله تعالى وأتوب إليه، والله ورسوله بريء منه، وحسبي أني كنت حريصا على بيان الحقائق والبراهين والأدلة التي تبين حقيقة الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وأدعو الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب إخواني المسلمين، وأن يذكرني من يقرأه في دعائه؛ فإن دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب مستجابة إن شاء الله تعالى. وأختم هذا الكتاب بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015