الحافظ.

وقال أبو بكر بن العربي: هذا وإن كان مطلقًا، فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له [في الآخرة] أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله. وهذا كما قيد مطلق قوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} 1. بقوله تعالى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} 2.وفي الحديث أيضا قبول خبر الواحد العدل ووجوب العمل به، وأن الإمام يبعث العمال لجباية الزكاة وأنه يعظ عماله وولاته، ويأمرهم بتقوى الله، ويعلمهم ما يحتاجون إليه، وينهاهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته والتنبيه على التعليم بالتدريج، ذكره المصنف.

واعلم أنه لم يذكر في هذا الحديث ونحوه الصوم والحج، مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر كما تقدم، فأشكل ذلك على كثير من العلماء.

قال شيخ الإسلام: أجاب بعض الناس أن الرواة اختصر بعضهم الحديث وليس الأمر كذلك، فإن هذا طعن في الرواة، لأن هذا إنما يقع في الحديث الواحد مثل حديث عبد القيس ـ حيث ذكر بعضهم الصيام وبعضهم لم يذكره ـ. فأما الحديثان المنفصلان، فليس الأمر فيهما كذلك، ولكن عن هذا جوابان:

أحدهما: أن ذلك بحسب نزول الفرائض، وأول ما فرض الله الشهادتان. ثم الصلاة، فإنه أمر بالصلاة في أول أوقات الوحي، ولهذا لم يذكر وجوب الحج في عامة الأحاديث إنما جاء في الأحاديث المتأخرة. قلت: وهذا من الأحاديث المتأخرة ولم يذكر فيها الجواب.

الثاني: أنه كان صلى الله عليه وسلم يذكر في كل مقام ما يناسبه، فيذكر تارة الفرائض التي يقاتل عليها كالصلاة والزكاة، ويذكر تارة الصلاة والصيام إن لم يكن عليه زكاة، ويذكر تارة الصلاة والزكاة والصيام، فإما أن يكون قبل فرض الحج، كما في حديث عبد القيس ونحوه، وإما أن يكون المخاطب بذلك لا حج عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015