وأما أبو يوسفَ، فزعم أنها من خصائِصِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها لا تجوزُ بعدَهُ إلا بإمامينِ، يصلي كلُّ واحدٍ منهما بطائفةٍ ركعتين.
وتمسك بالمفهومِ والنظرِ:
أما المفهومُ، فاعتقد أن قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] يقتضي تخصيصَه.
وأما النظُر، فإنها صلاةٌ على خِلافِ المُعْتادِ من هيئةِ الصلاة، وفيها أفعال كثيرة مباينة لصفةِ الصلاةِ تقتَضي إخلالَها، فجاز أن تكونَ المسامحةُ بسببِ فضيلةِ إمامةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك مخير حالَ صلاةِ المؤتمين به (?).
ورُدَّ ذلك بأن الصحابةَ -رضي الله تعالى عنهم- لم يزالوا على فِعْلِها بعدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا منكرَ فيهم، فكان إجماعاً، ولأنه قال: "صَلُّوا كما رأيتُموني أصَلِّي" (?)، والأصلُ وجوبُ التأسي، وعدمُ التخصيص، فالشرط المذكور في الآية لذِكْرِ الحال، لا للتعليق، فدل على أن فعلَها على خلافِ صفتها المعتادةِ؛ لِخُصوصِ الضرورةِ الموجودةِ في وقته - صلى الله عليه وسلم -، لا بخصوص وقته، والضرورةُ موجودة بعده - صلى الله عليه وسلم -، فجازَ أن تُفعل، ولأنه لو كانَ من خصائِصه، لبينَهُ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِما فرضَ اللهُ عليه من بيانِ كتابِه العزيز (?).
* ثم أمر اللهُ سبحانه عبادَه بالحذرِ وأخذِ السلاح، وهذا الأمرُ للوجوبِ.