وجميعُ ما ذكروه من الأسباب مُحْكَمٌ في العَصْر الذي فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
فمن خرجَ من فِئَةِ المسلمين، والتحقَ بفئةِ المشركين، فُهو مُرْتَدٌّ.
وكانَ منِ التحقَ بدارِ الحربِ مُرْتَدًّا غادِراً برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُرْتَدًّا كافِراً، وكذا من ظاهرَ المُشركين على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين.
فإن قال قائل: فالسببُ الرابعُ يقتضي أنَّ من خَرَج إلى دار الحرب مُسْتَوْطِناً لها، وهو معَ ذلك باقٍ على الإيمانِ غيرُ مظاهرٍ للمشركين أنهُ مرْتَدٌّ كافِرٌ كهؤلاء.
قلنا: إنما كفروا، لخبرِ الله عنهم بأنهم كفروا، وأنهم يَوَدُّون كُفْرَ سائرِ المؤمنين، ولم يَكْفُروا بمجرَّدِ الاستيطانِ بدارِ الحرب، ويدلُّ على ذلكَ قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72]، فأوجب على المؤمنين نُصْرَتَهُمْ في دارِ الحربِ، وسَمَّاهم مؤمنين، ولا يجبُ إلا نصرةُ مؤمِنٍ، وأما المرتَدُّ، فلا تجبُ نصرتُهُ.
ولأنَّ سَعْدَ بنَ خَوْلَةَ مِمَّنْ ماتَ بِمَكَّةَ ولم يُهاجر -كما قال عيسى بنُ دينارٍ وغيرُه (?) (?) - أو هاجرَ ثم رجعَ بعد شهودِهِ وَقْعَةَ بَدْرٍ -كما قالَ البخاريُّ (?)، وهو مؤمن بالاتفاقِ (?)، ولكن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَثى له، كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
فإن قال: فظاهرُ الآيةِ يقتضي أنهم ارتدُوا بتركِ الهجرةِ والرجوعِ عنها