وكانَ الناسُ، وهم العربُ ما خلا قُرَيْشاً، تتجاوزُ المزدلفة، وتَقِفُ بعرفات، وتفُيض منها، وكانت الحُمْسُ، وهم قريشٌ، تقفُ عندَ المشعرِ الحَرام، وتفُيض منهُ، ولا تتجاوزُه؛ لأن المزدلفةَ من الحَرَمِ، وتَقولُ: نحن أهلُ حَرَمِ الله، فلا نَخْرُجُ منهُ، فأمر اللهُ نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- أن يُفيض من حيثُ أفاضِ الناسُ، وكانتْ قريش تظنُّ أن يقفَ بالمَشْعَرِ الحَرام على عادتهم، فتجاوَزهُ لأمرِ اللهِ سبحانه.
فإن قلتم: (ثُمَّ) كلمة موضوعة للترتيب في لسانِ العرب، وذَكرَ اللهُ -سبحانه- الإفاضة من حيثُ أفاضَ الناسُ بعدَ الذّكْرِ عندَ المشعرِ الحَرام، والذكْرُ عندَ المَشْعَرِ الحَرامِ لا يكونُ إلا بعدَ الإفاضة.
قلت: هي هُنا لترتيبِ الذّكْرِ، لا لِترتيبِ الحُكْمِ، فلم تخرج (ثم) عن موضوعها (?)؛ لقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6]، ولذلك نظائرُ في القرآنِ واللُّغَةِ يطولُ ذكرُها (?).