قول ابنِ عمرَ وسلمةَ بن الأَكْوَع ومعاذِ بنِ جبلٍ وعكرمةَ والحَسَنِ وعَطاءٍ، وهي منسوخةٌ بقولهِ تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، رواه البخاريُّ عن سلمةَ بنِ الأكْوَعِ وابنِ عمرَ (?).
فإن قلتم: قد روى البخاريُّ عن ابنِ أبي ليلى: أنه قالَ: حدثنا أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نزلَ رمضانُ، فشق عليهم، فكانَ كل من أطعم كلَّ يومٍ مسكيناً، ترك الصومَ ممَّنْ يطيقُهُ، ورخصَ لهم في ذلك، فنسخَها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، وأمروا بالصوم (?)، وهذا نسخٌ لأول هذه الآية بآخِرِها، فهل في القرآنِ يجوزُ أن يُنْسَخَ أولُ الآيةِ بآخرها (?).
قلت: قال الإمامُ أبو عبدِ اللهِ الشافعيُّ -رحمهُ اللهُ-: لم أعلم أحداً من أهلِ العلمِ بالقرآن يخالفُ في أن الآية كلامٌ واحد، وأنها لم تنزل [إلا] مجتمعةً [بل اتفقوا على أن الآية كلامٌ واحد، نزلت مجتمعةً] (?) غير متفرقةٍ، وإن كان الآيتان قد تنزلان متفرقتين في سورة واحدة (?).
وعلى سياقِ كلامِه -رحمهُ اللهُ تعالى- يجب ألا ينسخ آخرُ الآيةِ أوَّلَها؛ لأن النسخ لا يكونُ مع تراخي الناسخِ عن المنسوخِ، فواجبٌ حينئذٍ أن يُؤَوَّلَ كلامُ ابن أبي ليلى على أن الناسخَ قولهُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، ولهذا قال في آخر كلامه: وأُمروا بالصومِ.